كتاب تدريب الدعاة على الأساليب البيانية

اشتهر من الخطباء في ذلك العهد الميمون ثابت بن قيس رضي الله عنه الذي خطب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكان يجيب بخطبه على خطباء الوفود التي كانت تقدم المدينة.
ومن الأمثلة على تقويمه للخطباء وتعليمهم مواضع القول حديث عدي ابن حاتم رضي الله عنه: أن خطيبا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى قال: «قم أو اذهب فبئس الخطيب أنت» وفي رواية أخرى عنه قال: تشهّد رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله" (1) فهو هنا عليه الصلاة والسلام أنكر عليه تشريكه مع الله في المعصية فقد قال: ((ومن يعصهما)) ولم يقل ومن يعص الله ورسوله، وهذا درس في التوحيد بليغ.
ولقد كان صلى الله عليه وسلم يستمع إلى خطيب الأنصار كثابت بن قيس بن الشماس وإلى شعرائهم، وكانت خطباء الوفود تخطب بين يديه فيستمع ويعلم ويوجه.
(د) تربيته صلوات الله عليه أصحابه على أساليب البيان:
كان يتعهدهم ويوجههم ويصوّب من أخطأ منهم حتى في الدقائق التي قد تخفى على كثيرين، لاسيما ما يمس جناب التوحيد والعقيدة، وكان ذلك شاملا لكل الأشكال التعبيرية البيانية من خطابة وحوار وجدال ... لذا برز عدد غير قليل من الصحابة رضي الله عنهم في الخطابة الحوار والجدال وجمعوا في هذه العلوم خصائصها ودقائقها على نحو قل مثيله.
__________
(1) م: الجمعة (870)

الصفحة 341