كتاب تدريب الدعاة على الأساليب البيانية

وزوجه حواء عليهما السلام تعبير خاشع منيب وهو لون من علم البيان كما في قوله تعالى {قَالا رَبَّنَا ظَلمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لنَا وَتَرْحَمْنَا لنَكُونَنَّ مِنْ الخَاسِرِينَ} (1)
ثم تتابعت هذه الأنماط التعبيرية الراقية في كلام آدم على قول من قال بأنه كان نبيا مرسلا وأن رسالته كانت إلى أولاده يأمرهم بأمر الله وينهاهم عن محارم الله، ويعظهم ويبصرهم.
وتتابعت من بعد آدم تلك الصور البيانية في رسالات الرسل الذين بعثهم الله من بعده على تباين عصورهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم كنوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم جميعا الصلاة والتسليم.
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلنَا منْ رَسُول إلاّ بلسَان قَوْمه ليُبَين لهُمْ فَيُضِل اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ} (2) فقوله {إِلا بِلسَان قوْمه} أي بلغتهم ليبينوا لهم أمر دينهم، ووحد اللسان وإن أضافه إلى القوم لأن المراد اللغة فهي اسم جنس يقع على القليل والكثير كما يقول الإمام القرطبي (3)
وتأمل كيف تدافعت في دعوة نوح عليه الصلاة والتسليم لقومه كل أشكال التعبير كالجدال والحوار والترغيب والترهيب وإقامة الحجة والبرهان، قال تعالى: {وَلقَدْ أَرْسَلنَا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ*أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَليْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَليمٍ * فَقَال المَلأُ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الذِينَ هُمْ أَرَاذِلنَا بَادِي الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لكُمْ عَليْنَا مِنْ فَضْل بَل نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ *قَال يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ
__________
(1) سورة الأعراف: 23
(2) سورة إبراهيم: 4
(3) الجامع لأحكام القرآن 5/340

الصفحة 350