كتاب النشوز بين الزوجين

والحاصل: أن الضرب علاج مر، قد يضطر إليه الزوج حين تصر المرأة على نشوزها، ولا تلين لوعظه ونصحه، ولا تبالي بإعراضه وهجره، فيباح له - حينئذ- أن يضربها ضرباً غير مبرح، يخفض من صلفها، ويردها عن نشوزها، فشرع تلك الوسائل والتوجيهات لمعالجة أعراض النشوز قبل استفحالها، وأحاطها بالتحذيرات من سوء استعمالها، وحدد صفتها، والنية المصاحبة لها، والغاية من ورائها.
ومن المعلوم أن تلك الوسائل التأديبية لا مكان لها حال الوفاق بين الزوجين، فهي لا تكون إلا وهناك انحراف ما، يستدعي المعالجة، فحين لا تجدي الموعظة ولا يجدي الهجر في المضجع، فلا بد أن يكون هذا الإنحراف من نوع آخر، قد تجدي فيه وسيلة أخرى، وسيلة الضرب غير مبرح، لعل وعسى.
وربما استنكر البعض ضرب المرأة الناشز، وعده ظلماً وجوراً واعتداءً بكل حال، وقد جار في حكمه هذا وما أنصف، نعم ((ولن يضرب خياركم)) ، وقد يستغني عن ذلك الخيّر الكريم، لكن بالمقابل قد يضطر إليه من ابتلي بمن لا ترجع عن صلفها ونشوزها إلا به، وللضرورة حكمها وقدرها. ثم إن الذي شرع ذلك وأباحه عند الحاجة إليه هو الخالق سبحانه، وهو أعلم بخلقه وما يناسب أحوالهم، وما يصلح به شأنهم، فجعل لكل حال حكم يناسبها في شرعه.
وأي فساد يقع في الأرض إذا أبيح للرجل التقي الفاضل أن يخفض من صلف إحداهن ويردها عن نشز غرورها بلطمة أو لكزة خفيفة، أو ضربة يسيرة بسوط أو عصا، تؤدب وتصلح، ولا تؤذي أو تجرح؛ وذلك عندما تفسد الطباع وتسوء الأخلاق، ولم ير الرجل بداً منه، ولا ترجع المرأة عن نشوزها إلا به. أما عند ما تستجيب المرأة للنصح، أو تزدجر بالهجر، فلا مكان للضرب ولا سبيل إليه، فهو ضرورة زالت بزوال سببها، إذ نحن مأمورون بالرفق بالنساء

الصفحة 36