كتاب تدريب الدعاة على الأساليب البيانية

1- أما القوة البيانية:
فلأن الخطيب يعبر عما تستجيشه نفسه بأبلغ عبارة وأوفاها بعيدا عن التكلف والتنطع فهو ينطق عفو الخاطر، يمازج في أسلوبه الخطابي بين الخبر والإنشاء، ويحور أسلوبه وفق ما يراه من إقبال السامعين أو فتورهم، ويزين منطقه بالفصاحة والجزالة، قال البلاغيون: ((البيان يحتاج إلى تمييز وسياسة، وإلى ترتيب ورياضة، وإلى تمام الآلة وإحكام الصنعة، وإلى سهولة المخرج وقوة المنطق، وتكميل الحروف وإقامة الوزن، وأن حاجة المنطق إلى الحلاوة والطلاوة كحاجته إلى الجزالة والفخامة، وأن ذلك أكثر ما تستمال به القلوب وتنثني به الأعناق وتزين به المعاني)) (1) .
وفي كل أمة خصائص بيانية وملكات بلاغية بحسب لغاتها وثقافتها وعوائدها وإن كانت اللغة العربية أقدر اللغات قاطبة في قوة البيان إذ تمتلك ما تفتقده اللغات الأخرى من خصائص التعبير وقوة الحجة، لذا نزل القرآن العظيم باللغة العربية، وفي التنْزيل الحكيم: {وَإنَّهُ لتَنْزِيل رَبّ العَالمِينَ * نَزَل به الرُّوحُ الأَمينُ * عَلى قَلبكَ لتَكُونَ مِنْ المُنذرينَ * بلسَان عَرَبِي مبِينٍ} (2) فالإبانة وقوة العارضة وتمام الإفصاح من خصائص اللسان العربي لا يضارعه في ذلك لسان آخر البتة.
2- الإقناع والاستمالة:
يحقق الخطيب الإقناع في خطابه بالحجة العقلية طورا، وبالتأثير العاطفي طورا آخر، وبهما معا طورا ثالثا، وبالمؤثرات الصوتية والإشارية والنفسية أيضا، قال ابن رشد: ((لا توجد قوة الإقناع إلا في الخطابة والجدل)) وقال: ((وليس
__________
(1) البيان والتبيين 1 / 14
(2) سورة الشعراء: 192 – 195

الصفحة 360