كتاب تدريب الدعاة على الأساليب البيانية

عمل هذه الصناعة- يعني الخطابة- أن تقنع ولابد.. وقد يقنع من ليس بخطيب، وان كان الأصل في الخطيب الإقناع كالبرء في الطبيب)) (1) .
وهذا يقتضي أن يكون الخطيب عارفا بمجاري الكلام وأساليب الإقناع والتأثير. ولهذا الاعتبار وهو قدرة الخطيب على الإقناع والتأثير والاستمالة اطلق على البيان القوي سحرا كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " إن من البيان لسحرا " (2)
ولعل من أهم ما يعين الخطيب على تحقيق الاقناع معرفته الدقيقة الشاملة بالأساليب الخطابية وسعة اطلاعه بعوامل التأثير في النفوس البشرية ومكامن الشعور فيها، ومواضع استحثاثها، وكثيرا ما قاد الساسة المفوهون الجماهير لا بنفوذ سلطانهم بل بالكلمة القوية البليغة المؤثرة التي ينقاد لها الناس انقياداً ويسلمون لها الزمام وهم راضون.
والأهم من هذا كله قوة الإيمان بالله واليقين بوعده ووعيده، وإن للإيمان لأثرا في تحقيق الإقناع لدى الآخرين، لما يستقر في أفئدتهم من التصديق والتسليم، ثم لما يدفعهم ذلك من الاستعداد للتضحية والبذل. وما تحقق للنبي صلى الله عليه وسلم من انقياد العرب له والإذعان لأمره والتسليم والرضا بأمر الله معه إلا لشئ استقر في قلوبهم.
3- التأثير النفسي:
التأثير في الخطابة أمر أساس، وهو أمر لا جدال فيه، ولأجل ما تتسم به الخطابة من قوة التأثير وعمقه تسمى الخطابة سحراً كما تقدم.
__________
(1) تلخيص الخطابة: ابن رشد ص 24
(2) متفق عليه: خ: النكاح (5146) ، م: الجمعة (869)

الصفحة 361