كتاب تدريب الدعاة على الأساليب البيانية

ولا يخفى ما قرره الشرع من وجوب الإصغاء لخطيب يوم الجمعة، حتى لقد بوّب له أئمة الحديث كما صنع البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة فقال باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب وساق فيه حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت" (1) فإذا كان الشرع قد أوجب الإنصات للخطيب فحري بالخطيب إزاء هذا أن يلقي خطبته بتؤدة ورفع صوت بحيث يسمع القاصي والداني ويتخير من الألفاظ ما يناسب أفهام السامعين، وهذه أمور يقدرها الخطيب، وترجع إلى نباهته وكياسته وإحساسه بالمسئولية وبأمانة الكلمة وثقلها، وحسن تأتيه في الأمور، وبقدر توفيقه في ذلك يكون مؤثرا ينصت إليه الناس ويصغون لقوله. ويتفاعلون لحديثه.
ولعلماء الصوتيات معايير دقيقة يميزون بها الصوت القوي الندي من غيره، ويقسمون الأصوات إلى أنواع شتى كالصوت المبحوح، والصوت الشجي، والصوت المتهدل، والصوت الهادر ... الخ
وفي التنويه بجمال الصوت ونداوته قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري صلى الله عليه وسلم لما سمعه يتلو كتاب الله تعالى: "يا أبا موسى لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود" (2)
2- اللسن والفصاحة:
الفصاحة والإبانة والبلاغة ألفاظ متقاربة، والخطيب الفصيح هو القادر على التعبير القوي البليغ من غير تكلف، والمتدرب من الخطباء ينبغي أن تكون
__________
(1) متفق عليه: خ: الجمعة (934) ، م: الجمعة (851)
(2) متفق عليه: خ: فضائل القرآن (5048) ، م: صلاة المسافرين (793)

الصفحة 374