كتاب النشوز بين الزوجين

أي فإن رجعن وانقدن إلى ما أوجب الله عليهن من طاعتكم، وحصل المقصود بواحدة من تلك الخصال التأديبية {فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} أي فلا سبيل لكم عليهن بعد ذلك بالتعنت والإيذاء بالهجران والضرب ونحوه.
فعند تحقق الغاية تقف الوسيلة، فالمضي في تلك الإجراءات بعد الرجوع عن النشوز إلى الطاعة المعروفة بغي وتحكم، فمتى استقام لكم الظاهر فلا تبحثوا عما في السرائر ولا تكلفوهن ما ليس بأيديهن، من محبتكم وميول قلوبهن إليكم، كما ينبغي تناسي الأمور السالفة وعدم ذكرها، فإن ذلك أحرى لدوام الوفاق والائتلاف، والبعد عن أسباب الفرقة والاختلاف.
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}
أي له العلو المطلق بجميع الوجوه والاعتبارات، علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر.
الكبير الذي لا أكبر منه، ولا أجل ولا أعظم، كبير الذات والصفات (1) .
وفي ختم الآية بهذين الاسمين العظيمين تمام المناسبة، فإنه لما كان في تأديبهن بما أمر الله تعالى به الزوج اعتلاء للزوج على المرأة، ختم تعالى الآية بصفة العلو والكبر، لينبه العبد على أن المتصف بذلك حقيقة هو الله تعالى، وإنما أذن لكم فيما أذن على سبيل التأديب لهن، فلا تستعلوا عليهن، ولا تتكبروا عليهن، فإن ذلك ليس مشروعاً لكم، وفي هذا وعظ عظيم للأزواج وإنذار لهم بأن قدرة الله عليكم فوق قدرتكم عليهن (2) ، فإنهن وإن ضعفن عن دفع ظلمكم، وعجزن عن الانتصاف منكم، فالله سبحانه علي قاهر، كبير قادر،
__________
(1) تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي 1/319-320.
(2) انظر: البحر المحيط لأبي حيان 3/628.

الصفحة 38