كتاب تدريب الدعاة على الأساليب البيانية

الموجه، ومن مقومات ذلك سعة الإدراك وسرعة الفهم وإصابة التأويل، وقد يُقاطَع أو يعارض أثناء الخطبة أو بعدها فإذا لم يحسن الرد ولم يتقن المحاجة في حسم وإقناع، فقد مكانته وفقد مع ذلك عامل التأثير.
والبديهة والبديهي: ((هو الذي لا يتوقف حصوله على نظر وكسب، سواء احتاج إلى شيء آخر من حدس أو تجربة أو غير ذلك أو لم يحتج..)) (1)
فكأن سرعة البديهة موهبة تبرزُ في الإنسان دقةَ الفهم وسرعته.
ومن البديهة: النباهة والذكاء والفطنة والكياسة واللباقة وكلها ألفاظ مترادفة متقاربة، وهي من معاني الإنسانية ولوازمها فالإنسان مخلوق ذكي، وهذا هو الأصل فيه، ولا يعتريه الخبل أو الحمق أو البلادة إلا لعوامل، وتزول هذه العوارض بزوال مسبباتها، وقد ذهب أماثل علماء التفسير إلى أن قوله تعالى: {هَل أَتَى عَلى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} (2) معنى قوله لم يكن شيئا مذكورا لم يكن شيئا له نباهة ولا رفعة ولا شرف إنما كان طينا لازبا وحمأ مسنونا (3)
ومن لطائف ما يذكر عن نباهة العالم والمتعلم والخطيب والمخاطب ما ذكره القرطبي عن ابن العربي في تفسيره قال: ((كان بمدينة السلام إمام من أئمة الصوفية يعرف بابن عطاء! تكلم يوما على يوسف وأخباره حتى ذكر تبرئته مما نسب إليه من مكروه فقام رجل من آخر مجلسه وهو مشحون بالخليقة من كل طائفة فقال: ياشيخ! ياسيدنا! فإذاً يوسف هم وماتم قال: نعم! لأن العناية من
__________
(1) التعريفات للجرجاني ص 63
(2) سورة الإنسان: 1
(3) جامع البيان للطبري 29/126

الصفحة 380