كتاب تدريب الدعاة على الأساليب البيانية

صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" (1)
قال النووي رحمه الله: يستدل به على أن الخطيب يستحب له أن يفخم أمر الخطبة ويرفع صوته ويجزل كلامه، ويكون مطبقا للفعل الذي يتكلم فيه من ترغيب أو ترهيب، ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمراً عظيماً وتحديده خطباً جسيماً (2)
وانفعال الخطيب إنما ينبغي أن يكون منبعثا من قوة إيمانه وصدق لهجته وتمام إخلاصه، وما يخرج من القلب يلج القلب، وكما قالوا في تأثير الخطيب وبلوغه إلى مكامن القلوب: إن النائحة الثكلى ليست كالمستأجرة! فالخطيب الصادق المخلص يظهر صدقه في نبرات صوته وحمرة عينيه ونور وجهه، وجديته وصرامته. وتلك أمور يعرفها الحذاق المتمرسون من الخطباء والبلغاء.
5- رباطة الجأش (الاستعداد النفسي) :
الخطابة في حقيقتها تعبير عن خلجات النفس وأحاسيسها ومشاعرها! والناس يتفاوتون في إبداء ذلك وإخفائه بحسب مواهبهم الخطابية ومداركهم العقلية ومشاعرهم الوجدانية، فأقواهم عارضة أكثرهم بلاغة وأقدرهم على التعبير الصادق المؤثر! لذا قال البلاغيون: أصل البلاغة الطبع. والخطيب البارع هو من يخطب في يسر وسلاسة، فلا يجد عناء ولا تكلفا ولا مشقة، وهذا لازم كي يكون الخطيب لبقا ذا سطوة، والاستعداد النفسي يرتبط بالموهبة الفكرية والملكة اللسانية وقوة المنطق وحلاوته، ويتحقق بتضافر أمرين أولهما: ترك الاستعانة وهي إما قولية كالإكثار من قوله (يعني) أو (اسمعوا) أو (أفهمتم) أو
__________
(1) م: الجمعة (867) ، ماجة: المقدمة (45) ، أحمد: المكثرين (13815)
(2) المنهاج 6 / 403

الصفحة 382