كتاب تدريب الدعاة على الأساليب البيانية

الدار الآخرة كما حازوا القبول في الدنيا فمن خطب الناس ولم يكن همه السمعة ولا الرياء ولا أن يقال فلان خطيب مصقع وخطيب مفوه. ثم لم يكن ليبتغي عرضا زائلا ولا حطاما فانيا، كان إن شاء الله من أهل الإخلاص، وما أجل البغية التي يسعى إليها المخلصون من الخطباء والوعاظ والمصلحين! إنها ابتغاء وجه الله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" (1)
ولقد كان السلف شديدي الحرص على تحقيق الإخلاص قبل الخطبة أو الموعظة وأثناءها وبعدها بمحاسبة النفس والإزراء عليها وتفقدها.
والإخلاص أمر غيبي لأنه من أعمال القلوب ولا يعرف ما في القلوب إلا الله جل وعز، ومن ثم فإن هذا المعيار معيار افتراضي، ولا مندوحة من ذكره في سلسلة المعايير التي يتم بها تقويم الخطيب، وما من ريب في أن الإخلاص تظهر أماراته في أقوال الخطيب وتصرفاته ومواقفه ولا يخفى ذلك إذ يظهر في ثنايا كلامه.
2- العلم:
وهو المعبر عنه بسعة الاطلاع، وسعة علم الخطيب وكثرة اطلاعه ومعرفته بدقائق موضوع خطبته هي الذخيرة والمادة التي يصوغها ويعرضها وتظهر في ذلك براعته، وقد يبتدئ بالخطابة من ليس يتصف بعلو الكعب في الإطلاع على المعارف قديمها وحديثها ومن ليس من أهل الحذق في هذا المضمار.. وقد يكون خطؤه أكثر من صوابه، وقد يكون العكس، لكنه لا يضطلع بمهام
__________
(1) متفق عليه: خ بدء الخلق (1) ، م: الإمارة (1907)

الصفحة 386