كتاب تدريب الدعاة على الأساليب البيانية

الخطابة على الوجه المنشود إلا من اتسعت دائرة معارفه.
والعلم علمان شرعي ومدني، فالعلم الشرعي يعتمد على الكتاب والسنة وفهم السلف لهما وهذا العلم هو المراد إذا أطلق، والعلم الشرعي مادة الخطيب العلمية وعماده بعد الله تعالى، وينبغي أن يتضلع منه ويتمكن قبل أن يعتلي المنبر! فإن الخطيب بمنْزلة المعلم والمرشد فإذا لم يف بمسالك هذا العلم الشريف لم يتقن صنعة الخطابة الوعظية وربما كان خطأه أكثر من صوابه، ولم ينزل الشرع بدقائقه وتفاصيله إلا ليبيّنه النبي صلى الله عليه وسلم للناس فيعوه حق الوعي ويستمسكوا به، قال تعالى: {وَأَنزَلنَا إِليْكَ الذِّكْرَ لتُبَيِّنَ للنَّاسِ مَا نُزِّل إِليْهِمْ وَلعَلهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (1) فإذا كان الخطيب جهولا بمعطيات النص الشرعي عاجزا عن استثماره واستخراج دلالاته واستيعاب مقاصده ومراميه افسد ما يبتغي إصلاحه، وقد ورد على لسان الشرع التحذير من القول على الله بغير علم قال تعالى {قُل إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لمْ يُنَزِّل بِهِ سُلطَانًا وَأَنْ تَقُولوا عَلى اللهِ مَا لا تَعْلمُونَ} (2)
وقد ذهب جمع من علماء التفسير إلى أن المحرمات المذكورة في الآية الشريفة سيقت على وجه التدرج من الأدنى إلى الأعلى فيكون القول على الله بغير علم أعظمها جرما وأشنعها حالا.. (3)
ومما يدل على أهمية العلم الشرعي في حياة الخطيب وأنه ينبغي أن يكون
__________
(1) سورة النحل: 44
(2) سورة الأعراف: 33
(3) إعلام الموقعين 1/38

الصفحة 387