كتاب النشوز بين الزوجين

واختلفوا في الزوجين والسلطان، ومن المأمور بالبعثة في ذلك، الزوجان، أو السلطان، ولا دلالة في الآية تدل على أن الأمر بذلك مخصوص به أحد الزوجين، ولا أثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمة فيه مختلفة. وإذا كان الأمر على ما وصفنا، فأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون مخصوصاً من الآية من أجمع الجميع على أنه مخصوص منها، وإذا كان ذلك كذلك، فالواجب أن يكون الزوجان والسلطان ممن قد شملهم حكم الآية (1) .
والحكم: هو من يصلح للحكومة بين الناس، والفصل بين المتنازعين، والسعي لإصلاح ذات البين.
ويشترط في الحكمين الصفات التي تخولهما الحكم في الخلاف بين الزوجين، بأن يكونا ثقتين، عدلين، حسني السياسة والنظر في حصول المصلحة، عالمين بحكم الله في الواقعة التي حكّما فيها.
وظاهر الآية أنه يشترط في الحكمين أن يكونا من الأقارب، لقوله تعالى:
{حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} ، وأن ذلك على سبيل الوجوب، ولكن العلماء حملوه على وجه الاستحباب، وقالوا: إذا بعث القاضي حكمين من الأجانب جاز، لأن فائدة الحكمين التعرف على أحوال الزوجين، وإجراء الصلح بينهما، والشهادة على الظالم منهما، وهذا الغرض يؤديه الأجنبي كما يؤديه القريب، إلا أن الأقارب أعرف بحال الزوجين من الأجانب، وأشد طلباً للإصلاح، وأبعد عن الظنة بالميل إلى أحد الزوجين، وأقرب إلى أن تسكن إليهم النفس، فيطلعوا على ما في ضمير كل من الزوجين من حب وبغض وإرادة صحبة أو فرقة، وموجبات ذلك ومقتضياته، لذلك كان الأولى والأوفق أن يكون أحد الحكمين من أهل
__________
(1) تفسير الطبري 5/71، 75.

الصفحة 45