كتاب النشوز بين الزوجين

والثاني: أنهما حاكمان، وهذا قول أهل المدينة، ومالك، وأحمد في الرواية الأخرى، والشافعي في القول الآخر، وهذا هو الصحيح.
والعجب كل العجب ممن يقول: هما وكيلان لا حاكمان، والله تعالى قد نصبهما حكمين، وجعل نصبهما إلى غير الزوجين، ولو كانا وكيلين لقال: فليبعث وكيلاً من أهله، ولتبعث وكيلاً من أهلها.
وأيضا: فلو كانا وكيلين لم يختصا بأن يكونا من الأهل.
وأيضا: فإنه جعل الحكم إليهما، فقال: {إِِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} ، والوكيلان لا إرادة لهما، إنما يتصرفان بإرادة موكليهما.
وأيضا: فإن الوكيل لا يسمى حكماً في لغة القرآن، ولا في لسان الشارع، ولا في العرف العام ولا الخاص.
وأيضا: فالحكم من له ولاية الحكم والإلزام، وليس للوكيل شيء من ذلك.
وأيضا: فإن الحكم أبلغ من حاكم، لأنه صفة مشبهة باسم الفاعل، دالة على الثبوت، ولا خلاف بين أهل العربية في ذلك، فإذا كان اسم الحاكم لا يصدق على الوكيل المحض، فكيف بما هو أبلغ منه.
وأيضا: فإنه سبحانه خاطب بذلك غير الزوجين، وكيف يصح أن يوكل عن الرجل والمرأة غيرهما، وهذا يحوج إلى تقدير الآية هكذا: (وإن خفتم شقاق بينهما) فمروهما أن يوكلا وكيلين، وكيلاً من أهله، ووكيلا من أهلها، ومعلوم بعد لفظ الآية ومعناها عن هذا التقدير، وأنها لا تدل عليه بوجه، بل هي دالة على خلافه، وهذا بحمد الله واضح ... فهذا عثمان وعلي وابن عباس ومعاوية جعلوا الحكم إلى الحكمين، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف، وإنما يعرف الخلاف بين التابعين فمن بعدهم؛ والله أعلم (1) . ا?.
__________
(1) زاد المعاد 5/189-191.

الصفحة 50