كتاب النشوز بين الزوجين

2- وذهب آخرون إلى أن الحكمين وكيلان للزوجين، أحدهما عن الزوج والآخر عن المرأة، ولا يملكان تنفيذ أمر يلزم الزوجين، من تفريق أو مخالعة أو غيره إلا بإذن الزوجين ورضاهما، (وهو القول الثاني في المسألة) ؛ وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وأحد القولين للشافعي، والرواية الأخرى لأحمد، وهو قول عطاء، وقتادة، والحسن، وبه قال أهل الظاهر (1) ؛ واختاره ابن جرير الطبري (2) .
واستدلوا لذلك بما يلي:
قولُه تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} حيث اقتصر في مهمة بعث الحكمين على ذكر الإصلاح بين الزوجين، دون التفريق، وذلك يقتضي أن يكون ما وراء الإصلاح غير مفوض إليهما.
وأيضا: قول علي رضي الله عنه للرجل في الأثر السابق ذكره: (( ... كذبت والله لا تنقلب حتى تقر بمثل الذي أقرت به)) . حيث فوضت المرأة، وامتنع الزوج من تفويض الطلاق، فقال له علي: كذبت حتى تقر بمثل ما أقرت به، وذلك يعني أنه إن لم يقر لم يلزمه الطلاق، وإن رآه الحكمان.
وأيضا: فإن الأصل أن التطليق بيد الزوج، فلو رأى الحكمان التطليق عليه، وهو كاره، كان ذلك مخالفة لدليل الأصل، ثم إن شأن الحكمين السعي في الإصلاح لا التفريق، ولا يعرف: أصلحت بين الزوجين: أي طلقتها عليه.
وأيضا: فإن البضع حق للزوج، والمال حق للمرأة، وهما رشيدان، فلا
__________
(1) انظر: المغني 10/264، والمحلى 10/88، وأحكام القرآن للجصاص 2/190-193، وزاد المعاد 5/190، وتفسير القرطبي 5/176، وتفسير ابن كثير 2/297، وتفسير الشوكاني 1/698.
(2) تفسير الطبري 5/76.

الصفحة 51