كتاب النشوز بين الزوجين

يجوز لهما أن يحكما بين الزوجين بفرقة إلا بتوكيل الزوج إياهما بذلك، ولا لهما أن يحكما بأخذ مال من المرأة إلا برضا المرأة، يدل على ذلك ما قد بيناه قبل من فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك والقائلين بقوله، ولكن لهما أن يصلحا بين الزوجين، ويتعرفا الظالم من المظلوم، ليشهدا عليه إن احتاج المظلوم منهما إلى شهادتهما ... (1) .
وعلل أصحاب هذا القول تسميتهما حكمين: بأن اسم الحكم يفيد تحري الصلاح فيما جعل إليه، وإنفاذ القضاء بالحق والعدل، فلما كان ذلك موكولا إلى رأيهما، وأنفذا على الزوجين حكما من جمع أو تفريق مضى ما أنفذاه، فسميا حكمين من هذا الوجه، فلما أشبه فعلهما فعل الحاكم في القضاء عليها بما وكلا به على جهة تحري الخير والصلاح سميا حكمين، ويكونان مع ذلك وكيلين لهما، إذ غير جائز أن تكون لأحد ولاية على الزوجين من خلع أو طلاق إلا بأمرهما.
فالحكمان إنما يبعثان للصلح بين الزوجين، فإن أعياهما ذلك شهدا على الظالم منهما، ووعظاه وأنكرا عليه ظلمه، وليس بأيديهما فرقة أو مخالعة دون إذن الزوجين ورضاهما، فهما في حال شاهدان، وفي حال مصلحان، وفي حال آمران بمعروف وناهيان عن منكر، وفي حال وكيلان فيما فوض إليهما من جمع أو تفريق (2) .
وعلى هذا فقوله: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} يعني أن الذي من أهله وكيل له، والذي من أهلها وكيل لها، كأنه قال: فابعثوا رجلا من قبله
__________
(1) تفسير الطبري 5/76.
(2) أحكام القرآن للجصاص 2/191-193.

الصفحة 53