كتاب النشوز بين الزوجين

ورجلا من قبلها.
أما عن الترجيح بين القولين في المسألة، فظاهر الآية محتمل للوجهين فيها، فمن أخذ بالقول الأول تمسك منها بلفظ الحكم، فإن الله تعالى سمى كلا منهما حكماً، والحكم هو الحاكم، ومن شأن الحاكم أن يحكم وإن لم يرض المحكوم عليه. ومن أخذ بالقول الثاني تعلق بقوله: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً} حيث جعل مهمة الحكمين السعي في إرادة الإصلاح، وهذا يقتضي أن يكون ما وراء الإصلاح غير مفوض إليهما.
ولما كانت الآية محتملة لوجهة كل من الفريقين، ولم يصح في المسألة شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالمسألة اجتهادية، والذي يقتضيه النظر - والله أعلم - ترجيح القول الثاني، لوجاهة ما استدلوا به، ولأن إساءة أحد الزوجين إلى الآخر لا ينبغي أن تكون سبباً للتفريق بينهما، إذ الحياة الزوجية لا تخلو من مثل هذا غالباً.
فالزوج إن كان هو المسيء للمرأة الظالم لها، فهناك السبيل إلى أخذه بما يجب لها عليه من حق، وإن كانت المرأة هي الظالمة زوجها، الناشزة عليه، فقد أباح الله له أخذ الفدية منها، وجعل إليه طلاقها، وإذا كان الأمر كذلك لم يكن لأحد التفريق بين رجل وامرأته بغير رضا الزوج، ولا أخذ مال من المرأة بغير رضاها بإعطائه، إلا بحجة يجب التسليم لها من أصل أو قياس، على ما أفاده ابن جرير الطبري رحمه الله (1) . وكذلك فإنه لا خلاف - كما سبق - أن الزوج لو أقر قبل التحكيم بالإساءة إليها، لم يجبره الحاكم على الطلاق، وأن الزوجة لو أقرت كذلك قبل التحكيم بالنشوز، لم يجبرها الحاكم على الافتداء، فإذا كان ذلك حكمهما قبل بعث الحكمين، فكذلك يكون الحكم بعد بعثهما، لا يجوز
__________
(1) انظر: تفسير الطبري 5/76.

الصفحة 54