كتاب النشوز بين الزوجين

وقيل: الضمير في (إن يريدا) عائد على الزوجين، وفي (يوفق الله بينهما) عائد على الحكمين، أي إن يريد الزوجان إصلاحاً واتفاقاً يوفق الله تعالى بين الحكمين حتى يعملا بالصلاح ويتحرياه (1) ، فتجتمع كلمتهما على النصح، ويبارك مسعاهما في الإصلاح والتوفيق.
وأظهر هذه الأقوال - والله أعلم - هو القول الأول، وهو ما قال به الجمهور، وأن الضميرين معاً عائدان على الحكمين، وذلك أنهما أقرب مذكور في السياق، وأن السعي في الإصلاح بين الزوجين من شأنهما، فكانت الآية حثاً لهما على إرادة الإصلاح وتحريه، وإن كان لفظ الآية محتملاً للوجوه الأخرى أيضاً. ولأيٍ كان الضمير، ففيه التنبيه على أن من أصلح نيته فيما يتوخاه وفقه الله تعالى لمبتغاه.
ثم إن عدم التعرض لذكر عدم إرادة الإصلاح للإيذان بأن ذلك ليس مما ينبغي أن يفرض صدوره عنهما، وأن الذي يليق بشأنهما ويتوقع صدوره عنهما هو إرادة الإصلاح، كما أن عدم ذكر ما يقابل التوفيق بينهما، وهو التفريق، للإشعار بأن ذلك ليس من شأنه أن يقع (2) .
قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً}
أي عالماً بجميع الظواهر والبواطن، مطلعاً على خفايا الأمور وأسرارها، فلذلك شرع لكم هذه الأحكام الجليلة والشرائع الجميلة، التي هي الطريق إلى القيام بالحقوق. فهو سبحانه العليم بما أراده الحكمان أو الزوجان من خير وإصلاح، خبير بذلك وبغيره من أمورهما وأمور غيرهما، لا يخفى عليه شيء منه،
__________
(1) انظر: تفسير الآلوسي 5/27.
(2) انظر: تفسير الفخر الرازي 10/97، وتفسير أبي السعود 2/175، وتفسير المنار 5/79.

الصفحة 56