كتاب النشوز بين الزوجين

وتراضيا عليه أكلا بالباطل أو أخذاً بالإكراه، وذلك حين يكون نشوز الزوج وإعراضه عن زوجته حقيقة في رغبته عنها وإرادة فراقها، لسبب من الأسباب، لا تحايلاً وذريعة لاجتلاب مال المرأة أو إنقاصها حقها، فإن أخذ المال بهذه الوسيلة أكل له بالباطل، وأخذ له بغير مسوغ شرعي، وقد حرم الله أكل أموال الناس بالباطل، وحرم مشاقة الرجل زوجته لغرض أخذ شيء من مالها، كما قال تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} (1) .
إنما أباح الله تعالى في الآية ذلك الصلح بين الزوجين في حق رجل يرغب حقيقة في فراق زوجته، لسبب ما، وامرأة تريد المقام معه، فإذا تراضيا على شيء من حق المرأة تنزل عنه، في مقابلة أن ينزل الرجل عن شيء من حقه، وهو الطلاق، جاز لهما ذلك، ولا جناح عليهما فيه (2) .
وفي قوله: (أن يصلحا) قراءتان سبعيتان:
فقرأ الكوفيون، عاصم، وحمزة، والكسائي: ((يُصْلِحا)) بضم الياء، وتخفيف الصاد، وكسر اللام، من أصلح على وزن أكرم، بمعنى أصلح الزوج والمرأة بينهما، بأن يوقعا بينهما أمراً يرتضيانه، ويصلحان به شأنهما بما يبدو من وجوه المصالحة (3) .
قال الفخر الرازي: من قرأ ((يُصْلِحا)) فوجهه أن الإصلاح عند التنازع
__________
(1) سورة النساء، آية: (19) .
(2) انظر: تفسير آيات الأحكام، للشيخ محمد علي السايس 2/147.
(3) انظر: تفسير الطبري 5/310، والمحرر الوجيز لابن عطية 2/119، وزاد المسير 2/218، وتفسير الفخر الرازي 11/66، والبحر المحيط لأبي حيان 4/86؛ وانظر: الحجة للقراء السبعة، لأبي علي الفارسي 3/183-184، والكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي بن أبي طالب 1/398، وحجة القراءات، لابن زنجلة ص 213-214.

الصفحة 66