كتاب النشوز بين الزوجين

((فَعْل)) ، كقولهم: سَمْح وسَهْل، ويجمع على خيور، أو هو مصدر مقابل الشر، فتكون إخباراً بالمصدر ... أي والصلح في ذاته خير عظيم، كما أن الحمل على كونه تفضيلاً يستدعي أن يكون المفضل عليه هو النشوز والإعراض، وليس فيه كبير معنىً. وقد دلت الآية على شدة الترغيب في هذا الصلح بمؤكدات ثلاثة، وهي المصدر المؤكد في قوله: ((صلحاً)) ، والإظهار في مقام الإضمار في قوله: ((والصلح خير)) ، والإخبار عنه بالمصدر أو بالصفة المشبهة، فإنها تدل على فعل سجية (1) .
وبالجملة فالصلح خير من الفرقة وما يفضي إلى التدابر والتباغض والتمادي في التنازع والاختلاف، فكم به ألفت قلوب وسويت خلافات وأزيلت نزاعات، ويندرج في ذلك عامة ضروب الصلح فيما بين الناس أفراداً وجماعات، ذكوراً وإناثاً، وفي الآية الكريمة يحث تبارك وتعالى الزوجين على التصالح فيما بينهم بما يرتضونه ويرونه خيراً لهم ويؤكد ذلك سبحانه ويرغب فيه، مراعيا بذلك - وهو العليم الخبير - أحوال كل من الزوجين وظروفه وما جبلت عليه نفسه وفطرته، فللنفس إقبال وإدبار، وغريزة وميول، ومشاعر وأحاسيس. ومادام الصلح يراعي تلك الأحوال وتلك الظروف والمشاعر، يحصل به التسامح والائتلاف بين الزوجين، في ظل حياة زوجية متماسكة، متفاهمة، قد عرف كل من الزوجين ظرف صاحبه فقدره، وتلمس أحاسيسه ومشاعره فعذره، فهو بلا شك خير عظيم ومسلك كريم، وإن استلزم ذلك بذل شيء من المال، أو التنازل عن بعض الحقوق، فإن ذلك يسير بالنظر إلى ما يقابله من الحفاظ على عقد الزوجية متماسكاً، وكيان الأسرة قائماً.
__________
(1) التحرير والتنوير 5/216-217.

الصفحة 70