كتاب النشوز بين الزوجين

معنى إحضار الأنفس الشح، وما في ذلك من الحث على الصلح
قوله: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ}
هذا تأكيد لأمر الصلح والحث عليه باتقاء ما قد يحول دونه مما جبلت عليه النفوس من الشح بحظوظها، ومعنى إحضار النفس أي أنها عرضة له، فإذا استدعى أمر الصلح بذل شيء من المال، أو التنازل عن بعض الحقوق ألَمّ بها ذلك الشح، ونهاها أن تبذل ما يقتضي الأمر بذله أو التنازل عنه والتسامح فيه. وليتذكر كل منهما أن هذا من ضعف النفس ودناءة الهمة المؤدي إلى المشاحة والجفاء، بل - وربما - التدابر والتنافر والافتراق، مما لا يليق فعله بمن بينهما نزاع من آحاد الناس، فكيف بزوجين قد أفضى بعضهما إلى بعض، وارتبطا بعقد الزوجية - المبني على المودة والرحمة والتسامح - ارتباطاً وثيقاً.
فقوله: (وأحضرت الأنفس الشح) بيان لما جبل عليه الإنسان وفطرت عليه نفسه من الشح، وهو الإفراط في الحرص على الشيء، فشح الأنفس بخلها بما يلزمها أو يحسن فعله بوجه من الوجوه، والمراد هنا: شح كل من الزوجين بحقه قبل صاحبه، فلا الرجل يكاد يجود بإبقاء المرأة في عصمته مع القيام بحقوقها وحسن عشرتها، وهو راغب عنها، لدمامة أو ملال أو طعن في سن أو إيثار أخرى عليها أو غير ذلك. ولا المرأة تكاد تطيب نفسها ببذل شيء من مالها لزوجها أو التنازل له عن بعض حقوقها لتستميله بذلك وتتعطفه عليها (1) .
قال العلامة أبو السعود رحمه الله: قوله: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} أي
__________
(1) انظر: زاد المسير 2/219، وتفسير الخازن 2/173، وتفسير الآلوسي 5/162، وتفسير القاسمي 5/1595.

الصفحة 72