كتاب النشوز بين الزوجين

بعفوه عنكم ما مضى منكم في ذلك قبل، {رَحِيماً} يقول: وكان رحيماً بكم، إذ تاب عليكم، فقبل توبتكم من الذي سلف منكم من جوركم في ذلك عليهن، وفي ترخيصه لكم الصلح بينكم وبينهن، بصحفهن عن حقوقهن لكم من القسم على أن لا يطلقن (1) .
قولُه تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً} النساء: 130.
بعد أن رغب تعالى في الصلح بين الزوجين حث عليه، ذكر جواز الفرقة بينهما، إذا لم يكن منها بد، بأن لم يوفقا للإصلاح بينهما، لشح كل منهما بحقه، وعدم التنازل عن شيء منه، ووعد كلاً منهما بأنه سيغنيه عن الآخر، إن هما تفرقا بالمعروف، وقصدا من تلك الفرقة التخوف من ترك حقوق الله التي أوجبها على كل منهما للآخر، فليحسنا الظن بالله، فقد يقيض للرجل امرأة تقربها عينه، وللمرأة من يوسع عليها (2) .
والمراد أنه إذا تعذر الصلح والوفاق بين الزوجين، ورأيا الفراق فلهما ذلك، وقد وعد كلا منهما أن يغنيه عن صاحبه بواسع فضله، ووافر إحسانه وجوده، فقال: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا} أي بطلاق أو فسخ أو خلع {يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً} من الزوجين من {سَعَتِهِ} أي من رزقه وفضله وغناه، فيجعله مستغنياً عن الآخر، ويكفه ما أهمه، أو يكون المعنى: يغني كل واحد منهما بزوج خير من زوجه الأول، وبعيش أهنأ من عيشه الأول (3) . {وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً} : أي واسع
__________
(1) تفسير الطبري 5/317.
(2) انظر: تفسير الطبري 5/408، وتفسير آيات الأحكام للسايس 2/151، وأيسر التفاسير للشيخ أبي بكر الجزائري 1/464، والتفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي 5/303.
(3) انظر: تفسير الفخر الرازي 11/69، وتفسير الآلوسي 5/163.

الصفحة 86