كتاب مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور

فهم ينقلونه نقلا حرفياً، وَلَا يكادون يزِيدُونَ عَلَيْهِ، وَأَحْيَانا لَا يشيرون إِلَى مصدره الَّذِي أَخَذُوهُ مِنْهُ.
(1) جَار الله الزَّمَخْشَرِيّ (ت538هـ) : قَالَ رَحمَه الله: ((فَإِن قلت: كَيفَ اتَّصل قَوْله {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ..} بِذكر الْقِيَامَة؟ قلتُ: اتصالُه من جِهَة هَذَا التَّخَلُّص مِنْهُ إِلَى التوبيخ بحب العاجلة وَترك الاهتمام بِالآخِرَة)) (1) .
وَهَذَا حسن لَوْلَا أَنه اقْتصر على بَيَان الْمُنَاسبَة للآيات اللاحقة، وَلم يتَعَرَّض لمناسبتها للآيات السَّابِقَة.
(2) فَخر الدّين الرَّازِيّ (ت 606هـ) : ذكر رَحمَه الله: فِي وَجه الْمُنَاسبَة سِتَّة وُجُوه، هاك ملخَّصها:
فأولها: أَنه مُرْتَبِط بِسَبَب النّزول (2) ، حَيْثُ اتّفق الاستعجال الْمنْهِي عَنهُ للرسول (عِنْد إِنْزَال السُّورَة عَلَيْهِ، فتخلَّل النَّهْي عَن ذَلِك الاستعجال آياتها الَّتِي تَتَحَدَّث عَن الْقِيَامَة.. وَهَذَا كَمَا أَن الْمدرس قد يُخَاطب تِلْمِيذه إِذْ يتشاغل عَنهُ بقوله فِي أثْنَاء الدَّرْس: لَا تلْتَفت عني.. ثمَّ يعود إِلَى درسه، فَمن لم يعرف السَّبَب يَقُول: إِن وُقُوع هَذِه الْكَلِمَة فِي أثْنَاء الدَّرْس غير مُنَاسِب، لَكِن من عرف الْوَاقِعَة علم أَنَّهَا مُنَاسبَة.
وَثَانِيها: أَنه مُرْتَبِط بِذكر حُبِّ الْكفَّار السَّعَادَة والعاجلة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي قَوْله تَعَالَى: {بَلْ يُرِيدُ الْأِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} ، فَبين بِهَذِهِ الْآيَات الْأَرْبَع أَن
__________
(1) الْكَشَّاف، 4/192.
(2) مَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم (وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ) عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِي (إِذا نزل عَلَيْهِ الوحيُ حرَّك لِسَانه … يُرِيد أَن يحفظه فَأنْزل الله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ..} . صَحِيح البخارى. صَحِيح مُسلم (1/330) .

الصفحة 106