كتاب مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور

تَعَالَى: {يُنَبَّأُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} ، حَيْثُ إِنَّه إِذا عُرض عَلَيْهِ كتابُه يَوْم الْقِيَامَة، ودُعي إِلَى قِرَاءَته، وَرَأى مَا فِيهِ من قبائح أَفعاله يتلجلج لِسَانه من شدَّة الْخَوْف وَسُرْعَة الْقِرَاءَة، فَيُقَال لَهُ حينئذٍ: لَا تُحرِّك بِالْقِرَاءَةِ لسَانك، فَإِن علينا - بِحكم الْوَعْد أَو الْحِكْمَة - أَن نجمع أعمالك، وَأَن نقرأها عَلَيْك.. فَإِذا قرأناه فَاتبع قِرَاءَته بِالْإِقْرَارِ بأنك فعلت تِلْكَ الْأَفْعَال.. ثمَّ إنَّ علينا بَيَان الْإِنْسَان وَمَا يتَعَلَّق بعقوبته..
ثمَّ قَالَ القفَّال: ((فَهَذَا وَجه حسن، لَيْسَ فِي الْعقل مَا يَدْفَعهُ، وَإِن كَانَت الْآثَار غير وَارِدَة بِهِ)) (1) .
والحقُّ أَن الْوَجْه الأول - من هَذِه السِّتَّة - لَا تعلق لَهُ بِبَيَان الْمُنَاسبَة، بل هُوَ - باعتماده على سَبَب النّزول وَحده - مِمَّا يؤكِّد إِشْكَال التناسب؛ فَهُوَ يصلح لعرض أساس المشكلة، وَلَا يصلح لِأَن يكون وَجها من وُجُوه الْمُنَاسبَة، وَقد قَالَ فِيهِ الألوسي: ((هَذَا عِنْدِي بعيد، لم يتَّفق مثله فِي النّظم الْجَلِيل، وَلَا دَلِيل لمن يرَاهُ على وُقُوع الْجُمْلَة فِي أثْنَاء هَذِه الْآيَات سوى خَفَاء الْمُنَاسبَة)) (2) .
وَكَذَلِكَ الْوَجْه الْأَخير - الَّذِي نَقله الرَّازِيّ عَن الْقفال وَسكت عَنهُ - ففوق أَن الأسلوب الْعَرَبِيّ، ومعاني الْأَلْفَاظ تنبو عَنهُ - كَمَا قَالَ الطَّاهِر بن عاشور - فَإِنَّهُ يُهمل سَبَب النّزول إهمالاً كَامِلا، ويتكلف فِي الْآيَات مَا لَا سَبِيل إِلَى قبُوله، هَذَا على الرغم من قبُول بعض الدراسين لَهُ وتفضيلهم إِيَّاه، وَمن هَؤُلَاءِ الدكتور أَحْمد أَحْمد البدوي الذى نَقله وعقَّب عَلَيْهِ - بعد أَن ذكرأنه
__________
(1) انْظُر هَذِه الْوُجُوه السِّتَّة فِي: مَفَاتِيح الْغَيْب، 30/222: 224
(2) روح الْمعَانِي فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم والسبع المثاني، الآلوسي الْبَغْدَادِيّ، طبعة المنيرية، 29/143.

الصفحة 108