كتاب مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور

الْآي الَّتِي نزل بَينهَا)) (1) .
ثمَّ قَالَ الشَّيْخ - رَحمَه الله -: ((.. فَيكون وُقُوع هَذِه الْآيَة فِي هَذِه السُّورَة مثل وُقُوع {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} فِي سُورَة مَرْيَم، وَوُقُوع: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} فِي أثْنَاء أَحْكَام الزَّوْجَات فِي سُورَة الْبَقَرَة)) (2) .
وَبعد أَن نقل وَجه القفَّال - الَّذِي نَقله الرَّازِيّ - وعقَّب عَلَيْهِ بِأَن الأسلوب الْعَرَبِيّ ومعاني الْأَلْفَاظ تنبو عَنهُ.. قَالَ: ((.. وَالَّذِي يلوح لي فِي موقع هَذِه الْآيَة هُنَا، دون أَن تقع فِيمَا سبق نُزُوله من السُّور قبل هَذِه السُّورَة، أَن سور الْقُرْآن حِين كَانَت قَليلَة كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يخْشَى تفلُّتَ بعض الْآيَات مِنْهُ، فَلَمَّا كثرت السُّور، فبلغت زهاء ثَلَاثِينَ - حسب مَا عدّه سعيد ابْن جُبَير فِي تَرْتِيب نزُول السُّور -؛ صَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْشَى أَن ينسى بعض آياتها، فَلَعَلَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ يُحَرك لِسَانه بِأَلْفَاظ الْقُرْآن عِنْد نُزُوله احْتِيَاطًا لحفظه، وَذَلِكَ من حرصه على تَبْلِيغ مَا أُنزَلَ إِلَيْهِ بنصِّه، فَلَمَّا تكفل الله بحفظه، أمره ألاَّ يُكَلف نَفسه تَحْرِيك لِسَانه، فالنهيُ عَن تَحْرِيك لِسَانه نهي رحمةٍ وشفقة، لما كَانَ يلاقيه فِي ذَلِك من الشدَّة)) (3) .
ثمَّ عَاد الشَّيْخ وأكد كَون هَذِه الْآيَات مُعْتَرضَة فِي السِّيَاق، إِذْ قَالَ عِنْد كَلَامه على قَوْله تَعَالَى: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} : ((رُجُوع إِلَى مِهْيَع الْكَلَام الَّذِي
__________
(1) التَّحْرِير والتنوير، 29/349.
(2) السَّابِق، 29/350
(3) التَّحْرِير والتنوير، 29/350.
أَي سِيَاق الْكَلَام ونسقه، قَالَ صَاحب اللِّسَان: مهيع، وَاضح وَاسع بيِّن، وجَمعُه مهايع. انْظُر مَادَّة (هيع) .

الصفحة 114