كتاب مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور

برهانه (1) - يُشِير إِلَى أَن أحد الْعلمَاء السَّابِقين شرع فِي تصنيف كتابٍ فِيهِ ثمَّ لم يكمله، وَأَنه هُوَ نَفسه - أَي ابْن الْعَرَبِيّ - كَانَت تساوره الرَّغْبَة فِي التصنيف فِيهِ.. يَقُول ابْن الْعَرَبِيّ: ((ارتباط آي الْقُرْآن بَعْضهَا بِبَعْض حَتَّى تكون كالكلمة الْوَاحِدَة، متسقة الْمعَانِي، منتظمة المباني - علم عَظِيم، لم يتَعَرَّض لَهُ إِلَّا عَالم وَاحِد عمل فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة، ثمَّ فتح الله عز وَجل لنا فِيهِ.. فَلَمَّا لم نجد لَهُ حَمَلة، ورأينا الْخلق بأوصاف البطلة - ختمنا عَلَيْهِ، وجعلناه بَيْننَا وَبَين الله، ورددناه إِلَيْهِ)) .
وَهَذَا عَن الْكتب المفردة فِيهِ، وَإِلَّا؛ فقد تناثر الْكَلَام فِي التناسب فِي أثْنَاء كَلَام المفسِّرين والمصنفين فِي إعجاز الْقُرْآن..
فقد أَشَارَ الزَّمَخْشَرِيّ - مثلا - إِلَى هَذِه الْوحدَة الفنية فِي سور الْقُرْآن، وَذَلِكَ عِنْد تعداده فَوَائِد تَفْصِيل الْقُرْآن وتقطيعه سوراً حَيْثُ قَالَ: ((.. وَمِنْهَا: أَن التَّفْصِيل سَبَب تلاحق الأشكال والنظائر، وملاءمة بَعْضهَا لبَعض. وَبِذَلِك تتلاحظ الْمعَانِي، ويتجاوب النّظم)) (2) .
وَلَئِن كَانَ الزَّمَخْشَرِيّ دلَّ بِمثل قَوْله هَذَا على إِدْرَاكه لهَذِهِ الْوحدَة الفنية فِي كتاب الله - وَهُوَ مَا لَا يخفى على مثله -؛ إِلَّا أَنه لم يسْلك الطَّرِيق العمليَّ التطبيقي - الَّذِي يَنْبَغِي لمثله - لبَيَان هَذِه الْوحدَة على سَبِيل الِاسْتِيعَاب وشفاء النَّفس مِنْهَا..
أما أبوبكر الباقلاني، فقد سبق إِلَى إِثْبَات ذَلِك عملياً فِي كِتَابه الْعَظِيم (إعجاز الْقُرْآن) .. فقد استعرض - فِي الْفَصْل الَّذِي عقده فِي إِثْبَات أَن نبوة النَّبِي (معجزتها الْقُرْآن - كلا من سورتي (غَافِر) و (فصلت) ، وَبَين الترابط الوثيق
__________
(1) الْبُرْهَان 1/36، وَعنهُ نَقله البقاعي فِي نظم الدُّرَر 1/7، والسيوطي فِي إتقانه 2/976.
(2) الْكَشَّاف، 1 / 241.

الصفحة 47