كتاب مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور

بَين مَعَاني كل مِنْهُمَا، وأوضح أَن كلا مِنْهُمَا قد بنيت من أَولهَا إِلَى آخرهَا على بَيَان لُزُوم حجَّة الْقُرْآن، والتنبيه على وَجه معجزته، شَأْنهَا فِي ذَلِك شَأْن كل السُّور الَّتِي افتتحت بذكرالحروف الْمُقطعَة (1) ..
كَمَا أَن الباقلاني سبق إِلَى مسِّ تِلْكَ الْوحدَة الفنية الَّتِي لمحها الزَّمَخْشَرِيّ، وَالَّتِي اصطُلح على تَسْمِيَتهَا فِيمَا بعد فِي النَّقْد الحَدِيث بـ (الْوحدَة العضوية) .. وَقد تلمسها الباقلاني فِي أَجزَاء السُّورَة الْوَاحِدَة حَتَّى تظهر كَأَنَّهَا خلقٌ متكامل يُمسك بعضه برقاب بعض.. فَهُوَ من أَوَائِل من عُنوا بإبراز هَذِه الْوحدَة فِي الصُّورَة الفنية، على النَّحْو الَّذِي تنَاول بِهِ سور الْقُرْآن حَيْثُ بيَّن ترابط أَجْزَائِهَا، ترابطاً يَتَّضِح فِيهِ اتِّصَال الْمُتَأَخر بالمتقدم، واللاحق بالسابق، واستدعاء آياتها بَعْضهَا بَعْضًا، بِحَيْثُ يدْخل عَلَيْهَا الْخلَل إِذا غُيّرت عَن موَاضعهَا بِتَقْدِيم أَو تَأْخِير، أَو إِسْقَاط لبَعض عباراتها. وَله فِي ذَلِك وقفات جَيِّدَة فِي كِتَابه (إعجاز الْقُرْآن) تؤكد عنايته بِإِظْهَار الْوحدَة بَين أَجزَاء النَّص، وَدلَالَة ذَلِك على فنيةٍ مبدعة.. كَالَّذي نرَاهُ فِي تَحْلِيله الرائع لآيَات سُورَة النَّمْل مثلا (2) .
وَفِي الْعَصْر الحَدِيث ظَهرت دراسات مستفيضة تركز على هَذَا اللَّوْن من التناسب والترابط بَين آيَات الذّكر الْحَكِيم، انطلاقاً من وجهة نظر بَيَانِيَّة وفنية فِي الْمقَام الأول..
__________
(1) اُنْظُرْهُ فِي كِتَابه هَذَا، ص 10: 18. وانظره كَذَلِك فِي كتاب: النّظم القرآني فِي كشاف الزَّمَخْشَرِيّ، د. درويش الجندي، دَار نهضة مصر، 1969م، ص 221، 222
(2) انظرها فِي إعجاز الْقُرْآن، ص 287: 289.. وَانْظُر كَذَلِك: الباقلاني وَكتابه (إعجاز الْقُرْآن) .. دراسة تحليلية نقدية، د. عبد الرؤوف مخلوف، مكتبة الْحَيَاة - بيروت، 1973، ص 437، 438.

الصفحة 48