كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 3)
وَقَدْ جَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ... وَقُرِّبْتُ مِنْ جِذْعٍ طَوِيلٍ مُمَنَّعِ
إِلَى اللهِ أَشْكُو غُرْبَتِي ثُمَّ كُرْبَتِي ... وَمَا أَرْصَدَ الْأَحْزَابُ لِي عِنْدَ مَصْرَعِي [ (17) ]
فَذَا الْعَرْشِ صَبِّرْنِي عَلَى مَا يُرَادُ بِي ... فَقَدْ بَضَعُوا لَحْمِي وَقَدْ يَاسَ مَطْمَعِي [ (18) ]
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْو مُمَزَّعِ [ (19) ]
وَقَدْ خَيَّرُونِي الْكُفْرَ وَالْمَوْتُ دُونَهُ ... وَقَدْ هَمَلَتْ عَيْنَايَ مِنْ غَيْرِ مَجْزَعِ [ (20) ]
وَمَا بِي حِذَارُ الْمَوْتِ إِنِّي لَمَيِّتٌ ... وَلَكِنْ حِذَارِي جحم نار ملفّع [ (21) ]
فو الله مَا أَرْجُو إِذَا مِتُّ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللهِ مَصْرَعِي [ (22) ]
فَلَسْتُ بِمُبْدٍ لِلْعَدُوِّ تَخَشُّعًا ... وَلَا جَزَعًا إِنِّي إِلَى اللهِ مَرْجِعِي [ (23) ]
قَالَ: وَجَعَلَ عَاصِمٌ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ وَيُزَمْجِرُ، وهو يقول [ (24) ] :
مَا عِلَّتِي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلُ ... وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عنابل [ (25) ]
__________
[ (17) ] أرصد: اعد وهيأ، والأحزاب: الجماعات، واحدهم حزب، ومصرعي: المكان اصرع فيه:
اي اقتل.
[ (18) ] بضعوا: قطعوا، والبضعة من اللحم: القطعة منه، وقوله «ياس» معناه يئس
[ (19) ] الأوصال: المفاصل او مجتمع العظام، والشلو- بكسر الشين وسكون اللام- البقية، والممزع:
المقطع.
[ (20) ] هملت عيناي: سال دمعها، والمجزع: مصدر ميمي بمعنى الجزع، وهو الخوف.
[ (21) ] الجحم: الملتهب المتقد، ومنه سميت النار جحيما، والملفع: المشتمل ومنه قولهم: تلفع بثوبه، إذا اشتمل به.
[ (22) ] يروي في مكان صدر هذا البيت قوله «ولست أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا» وأرجو في هذا الموضع بمعنى أخاف، وقد حمل كثير من المفسرين على ذلك قول الله تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً اي: لا تخافون.
[ (23) ] تخشعا: تذللا، ومنه قول شاعر الحماسة.
فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم ... لشيء ولا أني من القيد أفرق
ومرجعي: مصدر ميمي بمعنى الرجوع.
[ (24) ] والخبر والأبيات في سيرة ابن هشام (3: 121) .
[ (25) ] [النابل: صاحب النبل، ويروي في مكانه «بازل» ومعناه قوي شديد، وعنابل: غليظ شديد.
الصفحة 329