كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 3)
وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ حَسَدًا لِلْعَرَبِ أَنْ جَعَلَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لِقُرَيْشٍ أَجَابُوهُمْ إِلَى مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجُوا حَتَّى جَاءُوا غَطَفَانَ فَاسْتَصْرَخُوهُمْ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَوْهُمْ إِلَى أَنْ يُجَاهِدُوهُ مَعَهُمْ، وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّ قُرَيْشًا تَابَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَوَاعَدُوهُمْ [ (3) ] .
فَلَمَّا أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ نَزَلُوا بِجَمْعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ بِئْرٌ بِالْمَدِينَةِ، قَائِدُهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ مَعَهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، حَتَّى نَزَلُوا بِنَقْمَيْنِ إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ، فَلَمَّا نَزَلُوا بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ وَقَدْ كَانَ جَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ بِمَا أَجْمَعَتْ [ (4) ] لَهُ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ، فَضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَعَمِلَ فِيهِ تَرْغِيبًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْأَجْرِ، وَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ فَدَأَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَدَأَبُوا، وَأَبْطَأَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَعَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي عَمَلِهِمْ ذَلِكَ: رِجَالٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَجَعَلُوا يُوَرُّونَ [ (5) ] بِالضَّعِيفِ مِنَ الْعَمَلِ، فَيَتَسَلَّلُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا إِذْنٍ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا نَابَتِ الْنَائِبَةُ مِنَ الْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا يَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي اللُّحُوقِ بِحَاجَتِهِ فَيَأْذَنُ لَهُ، فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ رَجَعَ إِلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ عَمَلِهِ رَغْبَةً فِي الْخَيْرِ وَاحْتِسَابًا لَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أُولَئِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِلَى قَوْلِهِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ (6) ] .
فَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ حَتَّى أَحْكَمُوهُ وَارْتُجِزَ فِيهِ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ يُقَالُ لَهُ جُعَيْلٌ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عمرا، فقالوا:
__________
[ (3) ] سيرة ابن هشام (3: 169) ، ونقله الحافظ ابن كثير مختصرا في التاريخ (4: 94- 95) .
[ (4) ] في (ح) : «جمعت» .
[ (5) ] (يورّون) يستترون.
[ (6) ] الآيات (62- 64) من سورة النور.
الصفحة 409