كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 3)

فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهِمْ وَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا بَلَغَهُمْ، وَقَعُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا:
لَا عَقْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَلَا عَهْدَ فَبَادَأَهُمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَكَانَ رَجُلًا فِيهِ حَدٌّ بِالْمُشَاتَمَةِ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: دَعْهُمْ عَنْكَ. فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى [ (10) ] مِنَ الْمُشَاتَمَةِ، ثُمَّ أَقْبَلُوا فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: عَضَلٌ وَالْقَارَةُ. يُرِيدُونَ مَا فَعَلَ عَضَلٌ وَالْقَارَةُ، بِخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّه أَكْبَرُ. أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ [ (11) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حصن والحارث بن عوف، وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ. فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا وَمَنْ مَعَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ الصُّلْحُ، حَتَّى كَتَبُوا الْكِتَابَ، وَلَمْ تَقَعِ الشَّهَادَةُ، وَلَا عَزِيمَةُ الصُّلْحِ إِلَّا الْمُرَاوَضَةُ، وَفِي ذَلِكَ فَفَعَلَا [ (12) ] .
فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلَ، بَعَثَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمَا، وَاسْتَشَارَهُمَا فِيهِ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّه أَمْرٌ تَحُتُّهُ فَنَصْنَعُهُ، أَوْ شَيْءٌ أَمَرَكَ اللَّه بِهِ لَا بُدَّ لَنَا مِنْ عَمِلٍ بِهِ، أَمْ شَيْءٌ تَصْنَعُهُ لَنَا؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: لَا بَلْ لَكُمْ، واللَّه مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَكَالَبُوكُمْ [ (13) ] مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ شَوْكَتَهُمْ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشِّرْكِ بِاللهِ، وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ لَا نَعْبُدُ اللَّه وَلَا نَعْرِفُهُ، وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا ثَمَرَةً إِلَّا قِرًى، أَوْ شِرَاءً فَحِينَ أَكْرَمَنَا اللَّه بِالْإِسْلَامِ، وَهَدَانَا لَهُ، وَأَعَزَّنَا بِكَ، نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا! مالنا
__________
[ (10) ] في (ص) رسمت: «أربا» ، والمعنى: أكثر وأعظم.
[ (11) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (3: 175- 176) .
[ (12) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 176- 177) .
[ (13) ] (كالبوكم) : اشتدوا عليكم، والأصد فيه: الكلب، وهو السعار.

الصفحة 430