كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 3)

ثُمَّ تَيَمَّمُوا مَكَانًا مِنَ الْخَنْدَقِ ضَيِّقًا، فَضَرَبُوا خُيُولَهُمْ فَاقْتَحَمُوا، فَجَالَتْ فِي سَبْخَةٍ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ، وَخَرَجَ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي نَفَرٍ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى أَخَذَ عَلَيْهِمُ الثَّغْرَةَ الَّتِي مِنْهَا اقْتَحَمُوا، فَأَقْبَلَتِ الْفَوَارِسُ تُعْنِقُ نَحْوَهُمْ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ فَارِسَ قُرَيْشٍ، وَكَانَ قَدْ قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى ارْتُثَّ [ (16) ] ، وَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، فَلَمْ يَشْهَدْ أُحُدًا، فَلَمَّا كَانَ الْخَنْدَقُ خَرَجَ مُعْلَمًا [ (17) ] لِيُرَى مَشْهَدُهُ فَلَمَّا وَقَفَ هُوَ وَخَيْلُهُ،
قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا عَمْرُو قَدْ كُنْتَ تُعَاهِدُ اللهَ لِقُرَيْشٍ، أَلَّا يَدْعُو رَجُلٌ إِلَى خَلَّتَيْنِ إِلَّا قَبِلْتَ مِنْهُ إِحْدَاهُمَا.
فَقَالَ عَمْرٌو: أَجَلْ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى اللهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ، وَالْإِسْلَامِ فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ. قَالَ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى الْبِرَازِ، قَالَ لَهُ:
يَا بن أخي لم؟ فو الله مَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَكِنِّي وَاللهِ لَأُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ، فَحَمِيَ عَمْرٌو، فَاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَقَرَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَجَاءَ إِلَى عَلِيٍّ فَتَنَازَلَا، وَتَجَاوَلَا، فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ، وَخَرَجَتْ خَيْلُهُمْ مُنْهَزِمَةً هَارِبَةً، حَتَّى اقْتَحَمَتْ مِنَ الْخَنْدَقِ [ (18) ] .
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ خُرُوجَهُمْ، وَدُعَاءَ عَمْرٍو إِلَى الْبِرَازِ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فِي الْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. فَقَالَ: وَكَانَ مِمَّنْ خَرَجَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيُّ، وَاسْمُ أَبِي وَهْبٍ جَعْدَةُ، وَخَرَجَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ يَسْأَلُ الْمُبَارَزَةَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً، فَشَقَّهُ باثنتين، حَتَّى فَلَّ فِي سَيْفَهِ فَلًّا، فَانْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ:
إِنِّي امْرُؤٌ أَحْمِي وَأَحْتَمِي ... عَنِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى الْأُمِّي [ (19) ]
__________
[ (16) ] (ارتث) : حمل جريحا من المعركة.
[ (17) ] (معلما) : «هو الذي يجعل لنفسه علاما وشعارا يعرف بهما» .
[ (18) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (3: 178- 179) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4: 105) .
[ (19) ] البداية والنهاية (4: 107) عن ابن إسحاق.

الصفحة 437