كتاب دلائل النبوة للبيهقي محققا (اسم الجزء: 3)

أَشَدُّ ظُلْمَةً وَلَا أَشَدُّ رِيحًا فِي أَصْوَاتِ رِيحِهَا أَمْثَالُ الصَّوَاعِقِ وَهِيَ ظُلْمَةٌ، مَا يَرَى أَحَدٌ مِنَّا إِصْبَعَهُ فَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يَسْتَأْذِنُونَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَيَقُولُونَ: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ، فَمَا يَسْتَأْذِنُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا أَذِنَ لَهُ، فَيَأْذَنُ لَهُمْ، فَيَتَسَلَّلُونَ وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ، إِذِ اسْتَقْبَلَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا، رَجُلًا حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ، وَمَا عَلَيَّ جُنَّةٌ مِنَ الْعَدُوِّ، وَلَا مِنَ الْبَرْدِ، إِلَّا مِرْطٌ لِامْرَأَتِي مَا يُجَاوِزُ رُكْبَتَيَّ، قَالَ: فَأَتَانِي وَأَنَا جَاثٍ عَلَى رُكْبَتَيَّ، فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: حُذَيْفَةُ، فَقَالَ: حُذَيْفَةُ! قَالَ:
فَتَقَاصَرْتُ بِالْأَرْضِ، فَقُلْتُ، بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَقُومَ، قَالَ: قُمْ، فَقُمْتُ، فَقَالَ: إِنَّهُ كَائِنٌ فِي القوم خير، فَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، قَالَ وَأَنَا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ فَزَعًا وَأَشَدِّهِمْ قُرًّا، فَخَرَجْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهُمَّ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمِنْ خَلْفَهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ فَوْقِهِ، ومن تحته، قال: فو الله مَا خَلَقَ اللهُ فَزَعًا، وَلَا قُرًّا، فِي جَوْفِي إِلَّا خَرَجَ مِنْ جَوْفِي فَمَا أَجِدُ مِنْهُ شَيْئًا، قَالَ فَلَمَّا وَلَّيْتُ، قَالَ يَا حُذَيْفَةُ لَا تُحْدِثَنَّ فِي الْقَوْمِ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي،
فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْ عَسْكَرِ الْقَوْمِ، نَظَرْتُ فِي ضَوْءِ نَارٍ لَهُمْ تَوَقَّدُ وَإِذَا رَجُلٌ أَدْهَمُ ضَخْمٌ، يَقُولُ بِيَدِهِ عَلَى النَّارِ، وَيَمْسَحُ خَاصِرَتَهُ وَيَقُولُ: الرَّحِيلَ، الرَّحِيلَ، وَلَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ أَبَا سُفْيَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَانْتَزَعْتُ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي أَبْيَضَ الرِّيشِ فَأَضَعُهُ عَلَى كَبِدِ قَوْسِي، لِأَرْمِيَهُ فِي ضَوْءِ النَّارِ، فَذَكَرْتُ، قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي، فَأَمْسَكْتُ وَرَدَدْتُ سَهْمِي فِي كِنَانَتِي، ثُمَّ إِنِّي شَجَّعْتُ نَفْسِي حَتَّى دَخَلْتُ الْمُعَسْكَرَ، فَإِذَا أَدْنَى النَّاسِ مِنِّي بَنُو عَامِرٍ، يَقُولُونَ: يَا آلَ عَامِرٍ الرَّحِيلَ، الرَّحِيلَ، لَا مُقَامَ لَكُمْ، وَإِذَا الرِّيحُ فِي عَسْكَرِهِمْ، مَا تُجَاوِزُ عَسْكَرَهُمْ شِبْرًا، فو الله إِنِّي لَأَسْمَعُ صَوْتَ الْحِجَارَةِ فِي رِحَالِهِمْ، وَفَرَسَتْهُمُ، الرِّيحُ تَضْرِبُهُمْ بِهَا، ثُمَّ خَرَجْتُ نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْتَصَفَ بِيَ الطَّرِيقُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، إِذَا أَنَا بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ فَارِسًا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مُعْتَمِّينَ، فَقَالُوا: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ، أَنَّ اللهَ كَفَاهُ الْقَوْمَ، فَرَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ في شملة يصلي، فو الله مَا عَدَا أَنْ رَجَعْتُ رَاجَعَنِي الْقُرُّ، وَجَعَلْتُ أُقَرْقِفُ [ (17) ] ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم
__________
[ (17) ] (أقرقف) أرعد من البرد.

الصفحة 452