كتاب أخبار مكة للفاكهي (اسم الجزء: 3)

§وَمِنْهَا مَسْجِدٌ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيِّ عِنْدَ الصَّفَا فِي الدَّارِ الَّتِي تُعْرَفُ الْيَوْمَ بِالْخَيْزُرَانِ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا مُخْتَفِيًا، وَفِيهِ أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو فِيهَا إِلَى الْإِسْلَامِ
2307 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي يُوسُفَ الْمَكِّيُّ قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زِيَادٍ الْمَكِّيُّ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ حَلِيفِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنَّهُ قَالَ: -[13]- بَيْنَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَهُوَ يُسِرُّ الْإِسْلَامَ، وَمَعَهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ عَلَى بَعْضِ جِبَالِ مَكَّةَ مِنَ اللَّيْلِ وَفِتْيَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَيَعْرِفُونَ قَوْلَهُ وَهُوَ يَقُولُ:
[البحر الخفيف]
قَبَّحَ اللهُ رَأْيَ كَعْبِ بْنِ فِهْرٍ ... مَا أَدَقَّ الْعُقُولَ وَالْأَحْلَامِ
بَيْنَهَا بَاهٍ يَعِيبُ عَلَيْهَا ... دِينَ آبَائِهَا الْحُمَاةِ الْكِرَامِ
حَالَفَ الْحَيَّ حِلْفَ نَصْرٍ عَلَيْهِمْ ... وَرِجَالَ النَّخِيلِ وَالْآكَامِ
تُوشِكُ الْخَيْلُ أَنْ تَرَوْهَا جِهَارًا ... تَقْتُلُ الْقَوْمَ فِي الْبِلَادِ التُّهَامِي
هَلْ كَرِيمٌ مِنْكُمْ لَهُ نَفْسُ حُرٍّ ... مَاجِدُ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَعْمَامِ
ضَارِبًا ضَرْبَةً تَكُونُ نَكَالًا ... وَرَوَاحًا مِنْ كُرْبَةٍ وَاغْتِمَامِ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: فَوَثَبَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْنَا وَهَمُّوا بِنَا. قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِيَاحَ الصَّائِحِ قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: " هَذَا شَيْطَانٌ فِيمَنْ يَدْخُلُ فِي الْأَوْثَانِ وَيُكَلِّمُهُمْ فِيهَا، وَلَمْ يُعْلِنْ شَيْطَانٌ بِتَحْرِيضٍ عَلَى نَبِيٍّ قَطُّ إِلَّا قَتَلَهُ اللهُ تَعَالَى ". قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَمَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتٍ عِنْدَ الصَّفَا كُنَّا نَجْتَمِعُ فِيهِ مَسْرُورًا فَقَالَ: " §أَشَعَرْتُمْ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَتَلَ الشَّيْطَانَ الْمُحَرِّضَ عَلَيْكُمْ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ عَفَارِيتِ الرَّجُلِ يُدْعَى: سَمْحَجِيٌّ، فَأَسْمَيْتُهُ: عَبْدَ اللهِ لَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ مُنْذُ ثَلَاثٍ حَتَّى ظَفِرَ بِهِ الْبَارِحَةَ فَقَتَلَهُ ". قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: فَلَمَّا أَمْسَيْنَا مِنْ لَيْلَةَ أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَادِقًا مُصَدَّقًا , هَتَفَ هَاتِفٌ بِالْمَكَانِ الَّذِي هَتَفَ فِيهِ الشَّيْطَانُ فَقَالَ:
[البحر الرجز]
نَحْنُ قَتَلْنَا مِسْعَرَا لَمَّا طَغَى وَاسْتَكْبَرَا ... وَصَغَّرَ الْحَقَّ وَسَنَّ الْمُنْكَرا
-[14]- أَتْبَعْتُهُ سَيْفًا هُذَامًا مُبْتِرَا ... بِشَتْمِهِ نَبِيَّنَا الْمُظَفَّرَا
أَنَا نَذِيرُ مَنْ أَرَادَ الْبَطَرَا ... مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرِهِ أَنْ يَفْجُرَا
أَتْبَعْتُهُ حَتَّى رُئِي مُعَفَّرَا "
2308 - وَحَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ بْنِ نَوْفَلٍ النَّوْفَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ خُنَيْسٍ، مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ، عَنْ عُزَيْرِ بْنِ الْجَرِيحِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ مُخْتَفِيًا فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَبِضْعَ عَشْرَةَ امْرَأَةٍ قَالَ: فَدَقَّ الْبَابُ رَجُلٌ قَصِيرٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §افْتَحُوا لَهُ إِنَّهَا لَنَغَمَةُ شَيْطَانٍ ". قَالَ: فَفُتِحَ لَهُ فَدَخَلَ رَجُلٌ قَصِيرٌ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا نَبِيَّ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، مَنْ أَنْتَ؟ " قَالَ: أَنَا هَامَةُ بْنُ أَهْيَمَ بْنِ لَاقِيسَ بْنِ إِبْلِيسَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " -[15]- مَا أَرَى بَيْنَكَ وَبَيْنَ إِبْلِيسَ إِلَّا أَبَوَيْنِ ". فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَمِثْلُ مَا أَنْتَ يَوْمَ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ؟ " قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ قَدْ عَلَوْتُ الْآكَامَ، وَأُمِرْتُ بِالْآثَامِ، وَإِفْسَادِ الطَّعَامِ، وَقَطِيعَةِ الْأَرْحَامِ. قَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِئْسَ الشَّيْخُ الْمُتَوَشِّمُ، وَالشَّبَابُ النَّاسِي ". قَالَ: لَا تَقُلْ ذَا يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنِّي كُنْتُ مَعَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَسْلَمْتُ مَعَهُ ثُمَّ لَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى دَعَا عَلَى قَوْمِهِ فَهَلَكُوا فَبَكَا وَأَبْكَانِي، ثُمَّ لَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى هَلَكَ، ثُمَّ لَمْ أَزَلْ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيًّا نَبِيًّا كُلُّهُمْ يَهْلَكُ حَتَّى كُنْتُ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَقَالَ لِي: إِنْ لَقِيتَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ فَقَامَ عَلَى قَدَمَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا هَامَةُ بْنَ الْهَامِ كَمَا أَقْرَأْتَنِي مِنْ حَبِيبِي السَّلَامَ "
2309 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا ظَهْرَ أَمْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ يُقَالُ لَهُ مِسْعَرٌ فَقَالَ:
[البحر الخفيف]
قَبَّحَ اللهُ رَأْيَ كَعْبِ بْنِ فِهْرٍ ... مَا أَقَلَّ الْعُقُولَ وَالْأَحْلَامَ
حَالَفَ الْحَيَّ حَيَّ نَصْرٍ عَلَيْهِمْ ... وَرِجَالَ النَّخِيلِ وَالْآكَامِ
هَلْ عَلَى امْرِئٍ مِنْكُمْ لَهُ نَفْسُ صِدْقٍ ... وَاحِدُ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَعْمَامِ
-[16]- قَالَ: فَأَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ تَقُولُ: تَوَانَيْتُمْ حَتَّى خَرَجَ مِنْكُمُ الْجِنُّ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الْقَابِلَةُ قَامَ فِي مَقَامِهِ رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ يُقَالُ لَهُ سَمْحَجٌ فَقَالَ:
[البحر الرجز]
نَحْنُ قَتَلْنَا مِسْعَرَا
لَمَّا طَغَى وَاسْتَكْبَرَا
بِشَتْمِهِ نَبِيَّنَا الْمُظَفَّرَا
أَوْرَدْتُهُ سَيْفَ جَزُورٍ مُفْتِرَا
أَنَا نَذِيرُ مَنْ أَرَادَ الْبَطَرَا
فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَبْدَ اللهِ "

الصفحة 387