كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 3)

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ شِعْرِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّصْرِيِّ رَئِيسِ هَوَازِنَ يَوْمَ الْقِتَالِ وَهُوَ فِي حومة الوغا يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: أَقْدِمْ مُحَاجُ إِنَّهُ يَوْمٌ نُكُرْ * مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ يَحْمِي وَيَكُرْ إِذَا أُضِيعَ الصَّفُّ يَوْمًا وَالدُّبُرْ * ثُمَّ احْزَأَلَّتْ زُمَرٌ بَعْدَ زُمَرْ (1) كَتَائِبُ يَكِلُّ فِيهِنَّ الْبَصَرْ * قَدْ أَطْعُنُ الطعنة تقذى بالسبر (2) حِين يذم المستكن الْمُنْجَحِرْ * وَأَطْعُنُ النَّجْلَاءَ تَعْوِي وَتَهِرْ (3) لَهَا مِنَ الْجَوْفِ رَشَاشٌ مُنْهَمِرْ * تَفْهَقُ تَارَاتٍ وَحِينًا تَنْفَجِرْ وثعلب الْعَامِل فِيهَا منكسر * يَا زيد يَابْنَ هَمْهَمٍ أَيْنَ تَفِرْ (4) قَدْ نَفِدَ الضِّرْسُ وَقَدْ طَالَ الْعُمُرْ * قَدْ عَلِمَ الْبِيضُ الطَّوِيلَاتُ الْخُمُرْ أَنِّي فِي أَمْثَالِهَا غَيْرُ غَمِرْ * إِذْ تخرج الحاصن مِنْ تَحْتِ السُّتُرْ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُس بن بكير عَن ابْن إِسْحَاقَ أَنَّهُ أَنْشَدَ مِنْ شِعْرِ مَالِكٍ أَيْضًا حِينَ وَلَّى أَصْحَابُهُ مُنْهَزِمِينَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ وَقِيلَ هِيَ لِغَيْرِهِ: اذْكُرْ مَسِيرَهُمُ وَالنَّاس كُلِّهِمُ * وَمَالِكٌ فَوْقَهُ الرَّايَاتُ تَخْتَفِقُ وَمَالِكٌ مَالِكٌ مَا فَوْقَهُ أَحَدٌ * يَوْمَ حُنَيْنٍ عَلَيْهِ التَّاجُ يَأْتَلِقُ حَتَّى لَقُوا النَّاسَ حِينَ الْبَأْسِ يَقْدُمُهُمْ * عَلَيْهِمُ الْبَيْضُ وَالْأَبْدَانُ وَالدَّرَقُ فَضَارَبُوا النَّاسَ حَتَّى لَمْ يَرَوْا أَحَدًا * حَوْلَ النَّبِيِّ وَحَتَّى جَنَّهُ الْغَسَقُ حَتَّى تَنَزَّلَ جِبْرِيلُ بِنَصْرِهِمُ * فَالْقَوْمُ مُنْهَزِمٌ منا ومعتلق
__________
(1) احزألت: ارْتَفَعت.
وَالزمر: الْجَمَاعَات.
(2) تقذى: تقذف: والسبر: جمع سبار وم الفتيل يسبر بِهِ الْجرْح.
(3) المنجحر: الْمُسْتَتر.
والنجلاء: الطعنة المتسعة.
تعوى وتهر: ينزف مِنْهَا الدَّم بِصَوْت.
(4) الثَّعْلَب: مَا دخل من عَصا الرمْح فِي جُبَّة السنان.
وَالْعَامِل: أَعلَى الرمْح.
(*)

الصفحة 634