كتاب السيرة النبوية لابن كثير (اسم الجزء: 3)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ أَمْسَكَ مِنْكُمْ بِحَقِّهِ فَلَهُ بِكُلِّ إِنْسَانٍ سِتَّة فَرَائض من أول فئ نُصِيبُهُ.
فَرَدُّوا إِلَى النَّاسِ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ.
ثُمَّ كب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّبَعَهُ النَّاسُ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْسِمْ عَلَيْنَا فَيْئَنَا.
حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى شَجَرَةٍ فَانْتَزَعَتْ رِدَاءَهُ فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ رَدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ لَوْ كَانَ لَكُمْ عِنْدِي عَدَدُ شَجَرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ مَا أَلْفَيْتُمُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا ".
ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِ بِعِيرٍ فَأَخَذَ مِنْ سَنَامِهِ وَبَرَةً فَجَعلهَا بَين إصبعيه ثمَّ رَفعهَا فَقَالَ: " أَيهَا النَّاس وَالله مالى مِنْ فَيْئِكُمْ وَلَا هَذِهِ الْوَبَرَةِ إِلَّا الْخُمْسُ وَالْخُمْسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ، فَأَدَّوُا الْخِيَاطَ وَالْمَخِيطَ، فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِكُبَّةٍ (1) مِنْ خُيُوطِ شَعَرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذْتُ هَذِهِ لِأَخِيطَ بِهَا بَرْذَعَةَ بَعِيرٍ لِي دَبِرٍ (2) .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا حَقِّي مِنْهَا فَلَكَ " فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا إِذْ بلغ الامر فِيهَا فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا.
فَرَمَى بِهَا مِنْ يَده.
وَهَذَا السِّيَاق يقتضى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رَدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُحَمَّد ابْن إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، خِلَافًا لِمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَغَيْرِهِ.
* * * وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن عُرْوَة، عَن الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوا أَنْ ترد إِلَيْهِم أَمْوَالهم وَنِسَاؤُهُمْ، فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله
__________
(1) الكبة: الخيوط المجتمعة.
(2) الدبر: المقروح (*)

الصفحة 669