كتاب تاريخ الإسلام ت بشار (اسم الجزء: 3)

71 - ع: سالم بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيُّ، أَبُو عُمَرَ، وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ الْفَقِيهُ، [الوفاة: 101 - 110 ه]
أَحَدُ الْأَعْلَامِ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَعَائِشَةَ، وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَسَفِينَةَ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرَهُمْ،
وَعَنْهُ: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَخَلْقٌ كَثِيرٌ.
وَقَدِمَ الشَّامَ وَافِدًا عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِبَيْعَةِ وَالِدِهِ لَهُ، ثُمَّ عَلَى الْوَلِيدِ، وَعَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ: حدثنا حماد بن عيسى الجهني، قال: حدثنا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَدَّ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يُرْسِلْهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بهما وجهه، تفرد به حماد، وَهُوَ شَيْخٌ صَالِحٌ لَيِّنٌ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: تَدْرِي لِمَ سَمَّيْتُهُ سَالِمًا؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: بِاسْمِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ سَالِمُ ثِقَةً كَثِيرَ الْحَدِيثِ، عَالِيًا مِنَ الرِّجَالِ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُشْبِهُ أَبَاهُ، وَكَانَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُشْبِهُ أَبَاهُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ، عَنْ مَالِكٍ قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ أحدٌ فِي زَمَانِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَشْبَهَ بِمَنْ مَضَى مِنَ الصَّالِحِينَ فِي الزُّهْدِ وَالْقَصْدِ وَالْعَيْشِ مِنْهُ، كَانَ يَلْبِسُ الثَّوْبَ بِدِرْهَمَيْنِ، وَيَشْتَرِي الشِّمَالَ يَحْمِلُهَا.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ -[50]- عبد الملك لسالم، ورآه حسن السِّحْنَةِ: أَيُّ شيءٍ تَأْكُلُ؟ قَالَ: الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ، وَإِذَا وَجَدْتُ اللَّحْمَ أَكَلْتُهُ.
وَرَوَى زَيْدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَلْقَى وَلَدَهُ سَالِمًا، فَيُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ: شيخٌ يُقَبِّلُ شَيْخًا.
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُلامُ فِي حُبِّ سَالِمٍ، فَيَقُولُ:
يَلُومُونَنِي فِي سالمٍ وَأَلُومُهُمْ ... وَجِلْدَةُ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالأَنْفِ سَالِمُ
مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: قُلْتُ لسالمٍ: أَسَمِعْتَ كَذَا مِنَ ابْنِ عُمَرَ؟ فَقَالَ: مَرَّةً وَاحِدَةً! أَكْثَر مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ.
وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكُوفَةِ يَكْرَهُونَ اتِّخَاذَ الإِمَاءِ حَتَّى نَشَأَ فِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَالْقَاسِمُ، وَسَالِمٌ، فُقَهَاءٌ، فَفَاقُوا أَهْلَ الْمَدِينَةِ عِلْمًا وَتُقًى وَعِبَادَةً، فَرَغِبُوا حينئذٍ فِي السَّرَارِيِّ.
وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: فُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ يُصْدِرُونَ عَنْ رَأْيِهِمْ سَبْعَةٌ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْقَاسِمُ، وَعُرْوَةُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، لا يَقْضِي الْقَاضِي حَتَّى يرفع إليهم، رواها يعقوب الْفَسَوِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْعَسْقَلانِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: فُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَؤُلاءِ: فَسَمَّى الْمَذْكُورِينَ: وَعَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، وَأَبَا سَلَمَةَ، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ.
وَقَالَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ: أَصَحُّ الأَسَانِيدِ كُلِّهَا: الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ.
هَمَّام بْن يَحْيَى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: دَفَعَ الْحَجَّاجُ إِلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله رجلاً ليقتله، فقال للرجل: أمسلمٌ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَصَلَّيْتَ الْيَوْمَ الصُّبْحَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَرَدَّهُ إِلَى الْحَجَّاجِ، فَرَمَى بِالسَّيْفِ وَقَالَ: ذَكَرَ أَنَّهُ مسلمٌ، وَأَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ صَلَّى -[51]- الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ "، فَقَالَ: لَسْنَا نَقْتُلُهُ عَلَى صلاةٍ، وَلَكِنَّهُ مِمَّنْ أَعَانَ عَلَى قتل عثمان، فقال: هاهنا مَنْ هُوَ أَوْلَى بِعُثْمَانَ مِنِّي، قَالَ: فَبَلَغَ ذلك ابن عمر، فقال: مكيسٌ مِكْيَسٌ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ: دَخَلْتُ عَلَى سَالِمٍ، وَكَانَ لا يَأْكُلُ إِلا وَمَعَهُ مِسْكِينٌ.
وَقَالَ ضَمْرَةُ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ قَالَ: كَانَ لِسَالِمٍ حِمَارٌ هَرِمٌ، فَنَهَاهُ بَنُوهُ عَنْ رُكُوبِهِ، فَأَبَى، فَجَدَعُوا أُذُنَهُ، فَأَبَى أَنْ يَدَعَ رُكُوبَهُ، فَقَطَعُوا ذَنَبَهُ، فَأَبَى أَنْ يَدَعَهُ، وركبه أجدع الأذنين مقطوع الذنب.
سفيان بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعُمَرِيِّ قَالَ: كَانَ سَالِمٌ إِذَا خَرَجَ عَطَاؤُهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَضَاهُ، ثُمَّ يَصِلُ مِنْهُ وَيَتَصَدَّقُ.
سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ: حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدُ اللَّهِ يَلْبِسُ الصُّوفَ، وَكَانَ عَلِجَ الْخَلْقُ يُعَالِجُ بِيَدَيْهِ وَيَعْمَلُ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: دَخَلَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا هُوَ بِسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: سَلْنِي حَاجَةً، قَالَ: إِنِّي أَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَسْأَلَ فِي بَيْتِهِ غَيْرَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ خَرَجَ فِي أَثَرِهِ، فَقَالَ: الآنَ قَدْ خَرَجْتَ فَسَلْنِي حَاجَةً، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُ الدُّنْيَا مَنْ يَمْلِكُهَا، فَكَيْفَ أَسْأَلُهَا مَنْ لا يَمْلِكُهَا.
وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: كَانَ سَالِمٌ إِذَا خَلا حَدَّثَنَا حديث الفتيان.
وعن أبي سعد قَالَ: كَانَ سَالِمٌ غَلِيظًا؛ كَأَنَّهُ جَمَّالٌ، سُئِلَ: مَا أُدَامُكَ؟ قَالَ: الْخَلُّ وَالزَّيْتُ، قِيلَ: فَإِنْ لَمْ تَشْتَهْهُ؟ قَالَ: أَدَعُهُ حَتَّى أَشْتَهِيَهُ.
وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: كَانَ سَالِمٌ عَلَى سَمْتِ وَالِدِهِ عَبْدِ اللَّهِ فِي عَدَمِ الرَّفَاهِيَةِ.
الْعُتْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ سَالِمًا دَخَلَ فِي هيئةٍ رثةٍ وَثِيَابٍ غَلِيظَةٍ، فَرَحَّبَ بِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ. -[52]-
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: " سَالِمٌ ثقةٌ وَرِعٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ، رَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَابْنُ شَوْذَبٍ، وَطَائِفَةٌ أَنَّ سَالِمًا تُوُفِّي سَنَةَ ستٍ وَمِائَةٍ، زَادَ ابْنُ سَعْدٍ: وَهِشَامُ يومئذٍ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ حَجَّ تِلْكَ السَّنَةَ، فَوَافَقَ مَوْتَ سَالِمٍ.
وَعَنْ أَفْلَحَ وَغَيْرِهِ، أَنَّ هِشَامًا صَلَّى عَلَى سَالِمٍ بِالْبَقِيعِ، لِكَثْرَةِ النَّاسِ، فَلَمَّا رَأَى هِشَامُ كَثْرَتَهُمْ قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ: اضْرِبْ على أهل الْمَدِينَةِ بَعَثَ أَرْبَعَةَ آلافٍ، فَكَانَ النَّاسُ إِذَا دَخَلُوا الصَّائِفَةَ، خَرَجَ أَرْبَعَةُ آلافٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى السَّوَاحِلِ، فَكَانُوا هُنَاكَ إِلَى قُفُولِ النَّاسِ وَمَجِيئِهِمْ مِنَ الصَّائِفَةَ.
قَالَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ: حَجَّ هِشَامٌ، فَأَعْجَبَتْهُ سِحْنَةَ سَالِمٍ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَأْكُلْ؟ قَالَ: الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ، قَالَ: فَإِذَا لَمْ تَشْتَهِهُ؟ قَالَ: أَدَعُهُ حَتَّى أَشْتَهِيهِ، فَعَانَهُ هِشَامٌ، أَيْ أَصَابَهُ بِالْعَيْنِ، فَمَرِضَ وَمَاتَ، فَشَهِدَهُ هِشَامٌ، وَازْدَحَمَ النَّاسُ فِي جِنَازَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لكثيرٌ، فَضَرَبَ عَلَيْهِمْ بَعْثًا خرج فيه جَمَاعَةٌ لَمْ يَرْجِعُوا، فَتَشَاءَمَ بِهِشَامٍ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فقالوا: عان فقيهنا، وعان أهل بلدنا.
قال جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ: حَدَّثَنِي أَشْعَبُ قَالَ: قَالَ لِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: لا تَسْأَلْ أَحَدًا غَيْرَ اللَّهِ.
وَيُقَالُ: تُوُفِّيَ سَالِمٌ فِي أَوَّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَةٍ.

الصفحة 49