كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 3)
قال أبو عبد الله: فالموت عاقبة أمور الدنيا.
فالكيس من أبصر العاقبة، والأحمق من عمي عنها، فإنما عمي عنها بحجب الشهوات التي قامت بين يدي قلبه، فافترصته، فافتضته إنجازها، وجاءت الأماني بمواعيدها الكاذبة المختلفة، فجرته، تقول الشهوة: خذني إليك، وتقول الأمنية الكاذبة: خذها ثم تتوب، والله غفور للمذنبين، وحبيب التائبين، فهذه حجبٌ كثيفة دون العاقبة، فكيف يراها؟
فالكيس من سعد بجميل نظر الله، فأعطي النور الزائد على نور الموحدين، وهو نور اليقين، وذلك أن نور التوحيد في القلوب، وفي الصدر دخان وظلمة من الشهوات، فإذا جاء هذا النور، هتك الحجب، فسكن الدخان، وانقشعت الظلمة، واستنار الصدر، فاستقر النور، فقيل: يقين، فبذلك أبصر الموت، وهو عاقبة الأمر، فرآها قاطعةً لكل لذةٍ وشهوةٍ، وحائلةً بينه وبين كل أمنيةٍ، ورآها أنفاساً معدودة، لا يدري متى ينفد العدد، فصار على خطرٍ عظيمٍ من أمره، حتى لا يدري متى يبعث بالأمر، فركبه أهوال الخطر، فأذهله عن ذلك، فانكسر قلبه، وذبلت نفسه، وخمدت نار شهوته، واكفهر بالحق في وجه أمنيته.