كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 3)
وقال: تريدين أن تغويني؟! ولعل في وقت قضاء شهوتي في مساخط الله أعافص بأمر الله، وأبعث، وأنادى بدعوته، ولابد من الإجابة في أسرع من اللمحة، فإذا أنا بين يديه قائم في أيدي ملائكة قد رحلت إليه من دار الغرور، مغتراً به، مخدوعاً عنه، مع دنس المعاصي، وقبح الآثام، فلا وصول إلى توبةٍ، ولا أجد مهلة لأتوب، فيكون مقدمي عليه مقدم العبيد الإباق، الذين ردوا إلى مولاهم، فيحكم فيهم بحكم الإباق.
وقد قال الله -جل وعز- في تنزيله: {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين}؛ أي: قد كانوا يحكمون لأنفسهم في دنياهم بما يشتهون، وبأن يمهلهم في ذلك، ويحلم عنهم، وهم مستدرجون في مكره، فاليوم قد ردوا إليه من هذا الإباق، ألا فاليوم له الحكم، يحكم فيهم بما يستوجبون من إباقهم، وهو أسرع الحاسبين.
فالكيس من نظر بنوره الذي من الله عليه به، فأبصر أن الموت قاطعٌ لهذه الأشياء، حائلٌ بينه وبين التوبة.
كما قال جل ثناؤه: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} حين رأوا العذاب اشتهوا الرجعة؛ ليتوبوا، فمنعوا ذلك، فامتنع من جميع ما خاف أن يلحقه غداً تبعته ووباله، فاستعد لكل ذنب توبةً، واعتذاراً واستغفاراً، وحسنة مكان كل سيئة؛ لتكون الحسنة غطاءً للسيئة، كما قد كان يعلم في ظاهر الحياة الدنيا أن الدنس من الثوب إنما يغسل بالحار من الماء وبالأشنان والغلي