كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 3)

فالحب هيجه للسؤال عن قيام الساعة؛ فقد علم: أن لقاء العبد سيده على الصفاء والشفاء هناك بعد قيام الساعة، وهاهنا لقاء القلوب على المزاج، فقلق، وضاق بالحياة ذرعاً، فسأل عن الساعة متى تقوم؟ استرواحاً إليها، وإنما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أعددت لها؟)) تطلعاً لما يحن ضميره، وتعرفاً للذي حمله عليه من السؤال، من أي معدن هاجت هذه الكلمة، فكان هذا السائل فيما أحسب من المشتاقين.
ألا ترى أنه لم يذكر من عدته شيئاً من أعمال البر، وإنما ذكر الذي كان بين يدي قلبه، وما اعترض به في صدره، فأجابه على ما وجده عليه، فقال: ((أنت مع من أحببت)).
والموحدون كلهم يحبون الله، ولكن ذاك حب إيمان، فذاك حب لا يقلق، ولا يجيش به صدره أن الغالب عليه نفسه، ودنياه وشهوته، وإنما يقلق ذلك ويجيش صدره إذا فاته شيء من شهواته ونهماته من دار الدنيا، فذاك إنما يعد للساعة حسناته، وأعمال بره عدةً يرجو بها الثواب من الله، حتى إذا ورد القيامة، حصلت سرائره، وبلي خبره، واقتضى صدقه في الأعمال، فإن وجد صادقاً في ذلك، أثيب، وأكرم على قدره، وإن وجد كاذباً، رمي به في وجهه كالثوب الخلق، فهو موقوف في العرصة، يرجو بأعماله النجاة من النار، والنوال، والثواب في الجنان، حتى تخلص حسناته، وتصفى، ثم يوزن بالسيئات، فإن فضل له شيء، أعطي بقدر ما فضل.

الصفحة 435