كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 3)
وهذا السائل: قد كانت الأشياء كلها تلاشت عن قلبه في جنب معبوده، فلحبه إياه جيشان وغليان في صدره، فكان ذلك عدته، فلذلك قال: ((أنت مع من أحببت)).
وصاحب هذه القصة أشدهم اجتهاداً، وأصفاهم عملاً، وأخلصهم قلباً، وأطهرهم إيماناً، وأبعدهم من كل ريبة وريب، وأخلقهم بمعالي الأخلاق، وأنزههم عن مدانيها؛ لأن حبه لا ينال إلا محبوبه، ومن قبل أن ينالوا حبه أحبهم، فأحبوه.
ألا ترى إلى قوله -جل ذكره-: {فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه}.
فبدأ بحبه إياهم، ثم بحبهم له، ثم وصف أخلاقهم، وشمائلهم، فقال: {أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين}.
يذل على عبده المؤمن لحقه ويرزق له، ويعطف عليه، ويحب له ما يحب لنفسه، ويحوطه وينصحه، ويعز على الكافر، وعلى باطله، فإنما يعز بالله على الباطل، فيقهره {يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}.
فمن حبهم إياه دق شأن الخلق، فذمهم، ومدحهم في جنبه، قال: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء}. يعلمك أن هذا الحب إنما نالوا