كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 3)
وأصمه عن كل شيء سواه.
وهذا ركب في طبائع الآدميين أن يسمو قلبه إلى أرفع درجة من درجات الدنيا، فيرى أهل النعيم، والزينة والأجلة من الخلق، فيسبي قلبه أوفرهم حظاً من ذلك، وأعظمهم قدراً، فإذا عاين الآخرة، دق هذا في جنبها، فقلبه شاخص للأرفع فالأرفع، فإذا وقع على قلبه من جلال الله وعظمته، دق هذا كله في جنب ما عاين، وإنما يحب الآدمي كلاً على قدره، فإذا كان العبد يبلغ منه محبة ما لا قدر له هذا المبلغ، فما ظنك بمحبة ما لا منتهى لقدره ولا بلوغ، لكنه صفته كيف يبلغ من العبد؟!
ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لحارثة حيث قال له حارثة: كأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عرفت فالزم))، ثم قال: ((عبدٌ نور الله الإيمان في قلبه)).
فالإيمان في قلوب الموحدين في غطاء الشهوات، وإذا كان الإيمان مغطى بحجب الشهوات، صار محجوباً عن الله، وعن داره، فإذا رحم الله عبداً، فأيده؛ قذف النور في قلبه، وانفسح الصدر وانشرح، فهذا عين نور الإيمان، وإنما انفسح الصدر؛ لأن شهوات النفس كانت متراكمة في الصدر بظلمتها، وتدبير القلب في الصدر، وهو بيته، والأمور تصدر عن بيت القلب، وعيناه في الصدر مفتوحتان، وأذناه مصيختان، فيدبر الأمور، ويصدرها إلى الجوارح، فقيل: صدر.
وللذي العينان والأذنان فيه فؤاد، وهو قوله -جل ذكره-: {ما كذب