كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 3)

والأخرى: أن يسقط من عيون الخلق.
فهما عقبتان كؤودان، فطلاب الآخرة جازوا هذه العقبة الواحدة، فأعرضوا عن الدنيا تولياً عنها، وأقبلوا على الآخرة، وبقوا في هذه العقبة الثانية، فهم حرصاء على أن يكون جاههم وقدرهم باق عند الخلق، وأن لا يسقطوا من عيون الخلق، وهذه عقبة النفس، فمن أشرب حب الله قلبه، فشربه، فقد أسكرته عن الدارين، و عن الخلق، فطارت هذه المحبات عنه: حب المحمدة، وحب الثناء ورفعة المنزلة عند الخلق، وذهب باله، ونسي هذا كله في جنب ما أحاط بقلبه، وهو الشهوة الخفية التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له في ذلك: فقال: ((أخوف ما أخاف عليكم: الشرك الخفي، والشهوة الخفية)).
فحب الثناء والمحمدة هي الشهوة الخفية، هو أمر باطن تكتم النفس صاحبها ذلك، فلا يزيلها إلا حب الله، فيعميه عن الخلق، ويصمه عما يقولون، فهذه الشهوة الخفية من أقوى الأشياء في الآدمي، تبقي هذا في عمال الله، وفي القراء والزهاد والورعين، فهم منه في جهد، فهذا الذي حملهم على الاختفاء والهرب من الخلق، وإخفاء العمل، وكتمان الأشياء

الصفحة 443