كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 3)
وقوله: ((أبناء الستين ماذا قدمتم وأخرتم؟))؛ هو موافق لقوله تعالى: {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر}.
وقوله: ((أبناء السبعين ماذا ينتظرون))؛ أي: قد نفد العمر وانتهى، وهو موافق لذلك.
فهذا يحكي عن التوراة، وذاك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، إلا أن ذاك في فضل المعمرين في الإسلام، وما يجب لهم، وهذا في طريق الوعيد، وأذان أهل الغفلة في أسماعهم كي ينتهوا، فإذا عمر في الإسلام سبعين سنة، أوجب له محبته، فأحبه أهل السماء؛ لأنه يشهر حبه فيهم، كأنه يقال: هذا عبد قد كان في عبودة مولاه، سبعين سنة حقباً واحداً، لم يأبق من مولاه، ولم يتول عنه حتى شاب في الإسلام، وذهب شبابه وقوته، فإذا بلغ ثمانين سنة؛ قبلت حسناته، وتجاوز الله عن سيئاته.
فهذا قد عمر ضعف العمر، وذلك أن العمر هو أربعون، ثم هو في إدبار، فقد عمر هذا العبد مثلي العمر في الإسلام، واستوجب أن قبلت حسناته، وتجاوز له عن سيئاته.
وقد ذكر الله أهل الاستقامة في تنزيله، فقال: {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنةً قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين}.
فذكر هاهنا خصال أهل الاستقامة، وهو شكر أهل النعمة، والعمل الصالح المرضي، والتوبة، فقال الله -تبارك اسمه-: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة}، ثم قال: {وعد الصدق الذي كانوا يوعدون}.