كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 3)

وسائرها للأكل نحرة، وللحمولة، قال الله -تبارك اسمه-: {وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها تأكلون}.
فالذي قد ذلل للركوب صارت راحلة، وسائرها لحم، كذلك الناس انتشروا على جديد الأرض، فربتهم نعم الخالق، وأظلتهم سحائب رحمته، واكتنفتهم رأفته، وتوالتهم مننه، أعني: الموحدين، فإذا لجمت أحدهم بلجام الحق، وزممته بزمام الصبر، هز برأسه، ولوى عنقاً، فرمى باللجام، وجاذب بالزمام سبقاً، فركب رأسه، ومر شارداً، فرمى بحمولته، فمن المئة لا تجد فيها راحلة واحدة؛ أي: لا تجد أنفساً سمحة سخية منقادة مطيعة لربها قد ألقت بيديها سلماً، وانخشعت لعظمة ربها، ووطنت نفسها على العبودة، فلا تزال في عطف الله ورحمته وتأييده حتى يصير ذا حظ من ربه، فبحظه منه ينجب، وتزكو نفسه، وتطيب أخلاقه، وينشرح صدره، وتلين عروقه، ويرطب قلبه، ويألف ربه، فإن رحله، انقاد، وإن سيره سار، وإن عطفه، انعطف، وإن كبح به، وقف، وإن بعثه، انبعث، وإن حركه، هملج أو جمز، وإن أوقره، استمر، وإن أنصبه، احتمل، وإن خلى زمامه تفويضاً إليه، استقام، فهو لربه أليف، وربه به ضنين.

الصفحة 489