كتاب توضيح المشتبه (اسم الجزء: 3)

مفازة. فَلم يعرف الطَّرِيق فَدلَّ على رَافع بن عميرَة الطَّائِي وَكَانَ دَلِيلا بَصيرًا فَقَالَ لخَالِد: خلف الأثقال واسلك هَذِه الْمَفَازَة وَحدك إِن كنت فَاعِلا فكره خَالِد أَن يخلف أحدا فَقَالَ لَهُ رَافع: وَالله إِن الرَّاكِب الْمُنْفَرد ليخافها على نَفسه وَمَا يسلكها إِلَّا مغرور فَكيف أَنْت بِمن مَعَك فَقَالَ: لَا بُد وَأحب أَن نوافي الْمَفَازَة وَتَأْتِي الْقَوْم بَغْتَة فَقَالَ رَافع: إِن كَانَ لابد لَك من ذَلِك فابغ لي عشْرين جزورا سمانا عظاما فَفعل فظمأهن ثمَّ سقاهن حَتَّى روين ثمَّ قطع مشافرهن وَشرط شَيْئا من ألسنتهن ثمَّ كعمهن لِئَلَّا تجتر لِأَن الْإِبِل إِذا اجْتَرَّتْ تغير المَاء فِي أجوافهن وَإِذا لم تجتر بَقِي المَاء صافيا فِي بطونهن وتزودوا من المَاء مَا يَكْفِي الرَّاكِب وَسَار خَالِد فَكلما نزل منزلا نحر من تِلْكَ الجزر أَرْبعا ثمَّ أَخذ مَا فِي بطونها من المَاء فيسقيه الْخَيل وَشرب النَّاس مِمَّا مَعَهم فَلَمَّا سَار إِلَى آخر الْمَفَازَة انْقَطع ذَلِك عَنْهُم وَجهد النَّاس وعطشت دوابهم فَقَالَ خَالِد للطائي: وَيحك مَا عنْدك؟ فَقَالَ: أدْركْت الرّيّ إِن شَاءَ الله انْظُرُوا هَل تَجِدُونَ عَوْسَجَة على الطَّرِيق فوجدوها فَقَالَ: احتفروا فِي أَصْلهَا فاحتفروا فوجدوا عينا غزيرة فَشَرِبُوا مِنْهَا وتزودوا فَقَالَ رَافع: مَا وَردت هَذَا المَاء قطّ إِلَّا مرّة وَاحِدَة وَأَنا غُلَام فَخرج خَالِد من الْمَفَازَة فِي بعض اللَّيْل. انْتهى قَوْلهمَا. وَسوى رويت فِي الأبيات بدل كدى فِي قَول الشَّاعِر:
(فوز من قراقر إِلَى سوى ... خمْسا إِذا مَا سَارهَا الجبس بَكَى)

(مَا سَارهَا قبلك من إنس أرى ... )

الصفحة 366