كتاب تراجم المؤلفين التونسيين (اسم الجزء: 3)

وسمع من أصحاب مالك كمعن بن عيسى، وابن الماجشون، ومطرّف.
قال سحنون: لما حججت كنت ازامل ابن وهب، وكان أشهب يزامله يتيمه، وابن القاسم يزامله ابنه موسى، وكنت إذا نزلت سألت ابن القاسم، وكنا نمشي بالنهار ونلقي المسائل، فإذا كان الليل قام كل واحد إلى حزبه من الصلاة، فقال ابن وهب يوما لأصحابه: ألا ترون هذا المغربي يلقي بالنهار ولا يدرس بالليل؟ فقال ابن القاسم: هو نور يجعله الله في القلوب.
رجع إلى القيروان سنة 191/ 807 وفيها مات ابن القاسم. قال:
وخرجت إلى ابن القاسم ابن خمس وعشرين، وقدمت افريقية ابن ثلاثين سنة. ولما رجع أظهر مذهب مالك، وتصدى للتدريس فأخذ عنه مئات من أبناء البلاد، ومن القادمين من أقطار المغرب والأندلس، وممن أخذ عنه ابنه محمد، ومحمد بن عبدوس، وأحمد بن الصواف، وحمديس القطان، وسعيد بن الحداد، وأبو محمد يونس الورداني ولازمه كثيرا، وفرات بن محمد العبدي، ويحيى بن عمر الكناني الاندلسي دفين سوسة، وغيرهم، والرواة عنه يبلغ عددهم السبعمائة.
قال الخشني: كانت أفريقية قبل رحلة سحنون قد غمرها مذهب مالك بن أنس لأنه رحل إليها أكثر من ثلاثين رجلا كلهم لقي مالك بن أنس وسمع منه إن كان الفقه والفتيا، إنما كان في قليل منهم كما في ذلك في علماء البلاد، ثم قدم سحنون بذلك المذهب، واجتمع له مع ذلك فضل الدين والعقل والورع والعفاف والانقباض فبارك الله فيه للمسلمين، فمالت إليه الوجوه وأحبته القلوب وصار زمانه كأنه مبتدأ قد امّحى ما قبله فكان أصحابه من أهل القيروان وكان حافظا حتى قيل: إن العلم في صدره كسورة في القرآن من حفظه وقال: إني حفظت هذه الكتب حتى صارت في صدري كأم القرآن.
قال أبو العرب التميمي: «كان جامعا للعلم، فقيه الدين، اجتمعت فيه خلال ما اجتمعت في غيره: الفقه البارع، والورع الصادق، والصواب

الصفحة 13