كتاب رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 3)

روي أن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لما أُمر بالأذان بالحج، قال: يا رب! وإذا ناديتُ فمن يسمعني؟! فقيل له: نادِ يا إبراهيم، فعليكَ النداءُ، وعلينا البلاغُ، فصعِد على أبي قُبيس، وقيل: على حَجَر المقام، وقال: يا أيها الناس! إن اللَّه قد أمركم بحجِّ هذا البيت، فحُجُّوا.
قال ابن عطية: اختلفت الروايات في ألفاظه -عليه الصلاة والسلام-، واللازم أن يكون فيها ذكرُ البيت والحجِّ. وروي: أنه يوم نادى، أسمعَ كلَّ مَنْ يحجُّ إلى يوم القيامة في أصلاب الرجال، وأجابه كلُّ شيء في ذلك الوقت من جماد وغيره: لبيك اللهمَّ لبيك، فَجَرَتِ التلبيةُ على ذلك، قاله: ابن عباس، وابن جبير (¬1).
وقوله: "إن الحمد والنعمة": يروى بكسر الهمزة من (إن)، وفتحها.
قال الخطابي: الفتحُ روايةُ العامَّة (¬2)، قال ثعلبٌ: الاختيارُ الكسرُ، وهو أجودُ معنى من الفتح، لأن الذي يكسِر يذهب إلى أن المعنى: إن الحمدَ والنعمة لك على كل حال، والذي يفتحها يذهب إلى معنى: لبيك لهذا (¬3) السبب.
قلت: يريد: فمن كسر، عَمَّ، ومن فتح، خَصَّ، وليس كذلك إذا أُعطي من التأمل حَقَّه.
¬__________
(¬1) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (4/ 117).
(¬2) انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 173).
(¬3) في "ت": "بهذا".

الصفحة 571