كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 3)

الترمذي؛ فلم رجحتم ما ذكرتم عليه؟
قلنا: لأن طلق بن غنّام انفرد به، وليس بالقوي، وحديثنا أليق بالمحل، وأكثر ألفاظه ألفاظ القرآن، وهو يشتمل على أنواع، وذلك نوع واحد، على أن القاضي الحسين قال: إنا نستحب أن يجمع بين ذلك في الدعاء؛ فيبدأ بما روته عائشة، ثم يقول: "وجهت وجهي ... " إلى آخره.
قال الرافعي: وهذا يحكي عن القاضي أبي حامد وأبي إسحاق وغيرهما.
وحكى الروياني عن الطبري: أن المستحب أن يقول في التوجيه: "الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وجهت وجهي ... " إلى آخره.
قلت: وفي هذا مع ما حكيناه عن نص الشافعي في "الأم" نظر.
فرع: المسبوق إذا كبر تكبيرة الإحرام، والإمام في التشهد الأخير، وجلس، ثم سلم الإمام، قام، وأتى بالفاتحة، ولا يأتي بالدعاء؛ [لأنه يؤمر] به من يفتتح الصلاة، وبجلوسه مع الإمام ذهب الافتتاح، نعم، لو سلم الإمام عقيب تحرم المأموم أتى به، وكذا لو كان تكبيره عند قول الإمام: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فقال: آمين، له أن يأتي به.
قال القاضي الحسين: لأن قوله: "آمين" دعاء، والدعاء لا يمنعه من الإتيان بدعاء آخر.
قال: ثم يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
الأصل في استحباب التعوذ عند إرادة قراءة القرآن في الصلاة وغيرها قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] والسبب في ذلك أنه- عليه السلام-كان قرأ سورة "والنجم" في صلاة الصبح، فلما بلغ قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم: 19، 20] ألقى الشيطان في أمنيته-أي: في قراءته، لا على لسانه-: "تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجي"؛ ففرح به المشركون، وقالوا: إن محمداً أثنى على آلهتنا؛ فأنزل الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} الآية [الحج: 52]،

الصفحة 103