كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 3)

هاهنا، قالوا: الفرق بين ما نحن فيه، وبين أهل قباء- إن قلنا: إن النسخ يثبت قبل العلم به على رأي-:أنهم كانوا على قبلة صحيحة بالنص، ولم يصلوا باجتهاد، وإنما صلوا بناء على الأصل؛ فلم يلزمهم طلب الناسخ، وهذا مطالب بالاجتهاد في طلب الصواب، وقد ظهر تقصيره. وخالف هذا ما لو صلى أربع صلوات إلى أربع جهات حيث لا يقضي على المذهب؛ لأن الصلاة الواحدة عبادة واحدة لا تتجزأ في البطلان والصحة، بل آخرها متصل بأولها ويتداعى فساد آخرها إلى فساد أولها؛ فجاز أن يقال بأنها تبطل بتغير الاجتهاد فيها، وليس كذلك الصلوات؛ لأن كل واحدة منهن لا تكون مرتبطة بالأخرى.
وحكم الأعمى في تغير اجتهاد مقلِّده بعد الصلاة وفي أثنائها حكم المجتهد في نفسه، والله أعلم.
قال: فإن تيقن الخطأ، أي: ووجد الصواب بعد الفراغ من الصلاة، لزمه الإعادة في أصح القولين؛ لأن الله تعالى أمر باستقبال البيت الحرام، وقد بان أنه لم يستقبله؛ فلم يعتد بما أتى به، كالحاكم إذا حكم بالاجتهاد، ثم وجد النص بخلافه.
ولأن ما لا يسقط بالنسيان من شروط الصلاة لا يسقط بالخطأ، كالطهارة، والوقت.
قال في "المهذب" وغيره: ولأنه تيقن الخطأ فيما يؤمن مثله في القضاء؛ فلم يعتد بما مضى، كالحاكم إذا حكم، ثم وجد النص بخلافه، وهذا ما نص عليه في "الأم"، وفي استقبال القبلة من الجديد.
ومقابله: أنه لا يلزمه الإعادة؛ لأنه روي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة؛ فخفيت علينا القبلة؛ فجمع كل واحد منا أحجاراً، وصلى إليها، فلما أصبحنا إذا نحن على غير القبلة، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115].

الصفحة 49