كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 3)

قال الترمذي: وهو أصح شيء روى في هذا الباب.
ووجه الدلالة منه: أن ظاهره للحصر؛ فإن العرب تفرق في لغتها بين قول القائل: زيد صديقي وبين قوله: صديقي زيد، في اقتضاء حصر الصداقة في [زيد في] الصورة الثانية دون الأولى، ونظير قولهم في الأولى، ونظير قولهم في الأولى: "التكبير تحريمها"، ونظير قولهم في الثانية: "تحريمها التكبير".
والفرق من حيث المعنى: أن المبتدأ ينبغي أن يكون معلوماً للسامع؛ ليصح أن يسند إليه من الخبر ما لعله مجهول للسامع، فالمبتدأ معتمده البيان، والخبر معتمده الفائدة، فإذا قلت: "زيد صديقي" فـ"زيد" معلوم، والصداقة في زعم المخبر هي المجهولة للسامع، فأثبتها له بخبره، وإذا قلت: صديقي زيد، فالصداقة معلومة، والمجهولمحلها، فإذا كان محلها زيداً وغيره، [لم] يحسن الاقتصار على زيد، وهذا معنى ما أبداه الإمام.
قال بعضهم: وتمام التقريب فيه: أن المبتدأ لا يصح أن يكون أعم من الخبر، فلو كانت الصداقة ثابتة لزيد وغيره، لكان أعم، ولا يصدق مع العموم كقولك: الحيوان إنسان، وكذلك تحرمي الصلاة لو صح بغير التكبير، لكان التحريم ثابتاً معه وبدونه، فيكون أعم من خبره، ولا يقال: إنا نجعل "تحريمها" خبراً مقدماً، والمبتدأ هو "التكبير"، وحينئذ يكون الخبر هو الأعم؛ لأن المبتدأ والخبر متى كانا بحيث يصح أن يكون كل واحد منهما خبراً عن الآخر: كقولك: زيد أخوك، وأخوك زيد- فإنه يجب فيه حفظ الترتيب؛ دفعاً للبس، وما نحن فيه كذلك.
و [الحكم] الثاني: بيان زمان النية في الصلاة، ودليله: أن التكبير أول أفعال العبادة؛ فيجب أن تكون النية مقارنة له؛ كما في الحج وغيره، وخالف هذا الصوم؛ لأنه يدخل فيه بغير فعله؛ فتشق مراقبة أوله، ولا كذلك الصلاة؛ فإنه يدخل فيها بفعله؛ فلا تشق عليه المراقبة، ولا ترد الزكاة والكفارة حيث جوزنا تقدم النية عليهما على وجه؛ لأن [النيابة تجوز فيهما؛ لمشقة تولي ذلك بالنفس، وحينئذ لم

الصفحة 74