كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 3)

يكن بد من تقديم النية عليهما؛ لأن] في اتفاق إجرائها على نية الموكل تغريراً بماله؛ فلهذا أجزنا تقديم النية.
فإن قيل: قد جوزتم النيابة في الحج، ولم تجوزوا تقدم النية.
[قلنا: في الحج العبادة فعل النائب، وذلك لا يكون عباد إلا بالنية]، وإذا لم ينو عن غيره وقع عن نفسه؛ فاعتبرت نيته عن المنوب عنه، وهاهنا إنما الواجب هو المال، وهو مال المنوب عنه.
ولأن الحج ليس فيه تغرير بماله، بخلاف الزكاة.
ثم مقارنة الشيء للشيء تكون حقيقة إذا انطبق أوله على أوله وآخره على آخره، وقد قال بذلك بعض الأصحاب هاهنا فاشترط أن يكون أول النية مع أول التكبير، وآخرها مع آخره؛ أخذاً بظاهر قول الشافعي: "وينوي صلاته مع التكبير لا قبله ولا بعده"، وهذا ما حكاه الإمام عن شيخه وغيره.
[و] قال الفوراني والمسعودي: إنه قول المتقدمين من مشايخنا، ولم يورد الغزالي في "الخلاصة" غيره، وهو ظاهر كلام الشيخ، وعبارة بعضهم في حكاية ذلك: أنه لو وزع النية على حروف التبكير فقرن أولها بأوله وآخرها بآخره جاز.
قال الروياني في "تلخيصه": وهذا قول أصحابنا المتقدمين.
والمذهب الصحيح: أنه لا يجوز ذلك، وكذا قاله القاضي الحين، وهو المحكي في "الإبانة" عن القفال، لكن بين القاضي والقفال اختلاف في علة عدم الجواز:
فالقاضي يقول: إنما لم يجز ذلك؛ لأنه حينئذ يفتتح التكبير، ولم يوجد منه جميع النية؛ فقد خلا بعض التكبير وهو من أركان الصلاة عن النية الكاملة؛ فلا يجوز، كما لو نوى بعد التكبير.
والقفال قال: لأن النية ليست شيئاً يمتد، أي: حتى يكون لها وسط وأول وآخر وجريان في الضمير على ترتيب، وإنما هي قصد واقع في آن أو لحظة واحدة لا يتصور بسطها.

الصفحة 75